Thursday, 28 March 2024
A+ R A-

الحَذرَ كلَّ الحذرِ مِنَ السِحرِ والسَحَرَةِ

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ لهُ النِعمَة ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحَسَنُ، صَلواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيمِ والملائِكَةِ المُقرَّبينَ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أشرَفِ المُرسَلينَ.
أمّا بَعـدُ، إنَّ مِنَ الكبائِرِ السِحرَ وهو مِنَ السَبعِ الموبقاتِ التي ذكَرَها رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عَليهِ وَسَلًمَ في حديثِهِ، وهو مُزاوَلةُ أفعالٍ وأقوالٍ خبيثةٍ، وهو أنواعٌ، مِنهُ ما يَجُرُّ إِلى عَمَلٍ كُفريٍ ومِنهُ ما يَجُرُّ إلى كُفرٍ قوليٍ، فالأوّلُ كالسُّجودِ للشمسِ أو السُّجودِ لإبليسَ ومِنهُ ما يَجُرُّ إلى تعظيمِ الشيطانِ بِغَيرِ ذَلِكَ، فما يَجُرُّ إلى الكُفرِ ولا يَحصُلُ إلاّ بِالكُفرِ فَهو كُفرٌ.
وما لا يُحوِجُ إلى الكُفرِ فهوَ كَبيرَةٌ. وقد أطلقَ بَعضُ العُلماءِ تحريمَ تَعلّمِهِ، وفصَّلَ بعضٌ في ذلِكَ، فقالَ بَعضٌ إِنْ كانَ تَعَلّمُهُ وتعليمُه لا يُحوِجُ إلى الكفرِ ولا إلى تعاطي مُحَرَّمٍ جازَ ذلِكَ بشَرطِ أن لا يَكونَ القصدُ تَطبيقَهُ بِالعَمَلِ وإلا فتحريمُهُ مُتّفَقٌ عَليهِ ومَن استَحَلَّ عَمَلَ السِحرِ كفرَ.
وأمّا قولُ بَعضِ الناسِ إنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: "تعلّموا السِحرَ ولا تعمَلوا بهِ". فهذا كذِبٌ على رَسولِ اللهِ.
والسِحرُ سواءٌ كانَ للمَحبَّةِ حتى يُحِبَّ هذا هذِهِ أو هذِهِ هذا، أو للتبغيضِ حتى يَكرَهَ هذا هذِهِ أو هذِهِ هذا فهو حَرامٌ. وكَذلِكَ السِحرُ لإمراضِ الشخصِ حتى يُجَنَّ أو نحوِ ذلِكَ حَرامٌ أيضاً، والذي يَنفي وُجودَ السِحرِ فقد كذَّبَ القرءانَ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وما كَفرَ سُليمانُ ولكَنَّ الشّياطينَ كَفروا يُعلِّمونَ الناسَ السِحرَ وما أنزلَ على المَلكينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ وما يُعلّمانِ مِن أحَدٍ حتى يَقولا إنما نَحنُ فِتنةٌ فلا تكفرْ فيتعلّمونَ مِنهما ما يفرّقونَ بهِ بينَ المَرءِ وزوجِهِ وما هُم بِضَارّينَ بهِ مِن أحَدٍ إلا بإذنِ اللهِ﴾ (سورة البقرة ءاية 102).
ويُعلمُ مِن هذِهِ الآيةِ أنَّ هاروتَ وماروتَ مَلكانِ أمَرَهُما اللهُ أن يَنزِلا إلى الأرضِ ويُعلِّما الناسَ السِحرَ لا لِيَعمَلوا بهِ بَل لِيَعرِفوا حَقيقتهُ، كانا يُعلّمانِ الناسَ السِحرَ مَعَ التحذيرِ، يقولانِ للناسِ "نحنُ فِتنَة" أي مِحنَةٌ وابتلاءٌ مِنَ اللهِ واختبارٌ نُعلِّمُكم ولا تكفروا أي لا تعتبِروا السِحرَ حلالاً إنّما تتعلَّمونَ فقط، كانا يعلّمانِهم ما يكونُ مِن السِحرِ مِن نوعِ التَّفريقِ بينَ اثنينِ مُتَحابَّين، ثمَّ الناسُ الذينَ تعلَّموا مِنهُما بَعضُهُم ما عَمِلَ بهذا السِحرِ الذي تعلّموهُ وبَعضُ الناسِ عَمِلوا بهِ وعَصَوا ربَّهُم.
وكانَ مِن السِحرِ غيرُ هذا الذي علَّمه هاروتُ وماروتُ للبَشرِ، الشياطينُ أي كُفارُ الجِنِّ كانت تعمَلُ السِحرَ وتعلّمُهُ للناسِ لكنَّ الشياطينَ كانَت تُعلَّمُ بِطريقةِ الكُفرِ، بعضُ أنواعِ السِحرِ الذي كَانَت الشياطينُ تُعَلّمُهُ البَشَرَ كانَ فيهِ كُفرٌ كعِبادَةِ الشمسِ، ومِنهُ ما فيهِ عِبادةُ إبليسَ بالسُّجودِ لهُ، ومِنهُ ما كانَ فيهِ غيرُ ذلِكَ مِن أنواعِ الكُفرِ حتى إنَّ مِنهُ ما تَشترِطُ الشياطينُ على مَن تُعَلّمُهُ لِتُساعِدَه أنْ يَبولَ الشَخصُ على المُصحَفِ لأنَّ الكُفرَ إذا حَصَلَ مِن ابنِ ءادَمَ فهذا عِندَهُم أعظمُ شئٍ، يَشتهونَ هذا اشتِهاءً.
ثمَّ ممّا يَحتالونَ بهِ لتَرويجِ عَمَلِ السِحرِ أنهُم يَخلُطونَ بعضَ الآياتِ القرءانِيَّةِ بالسِحرِ،حتى يوهِموا الناسَ أنَّ القرءانَ لهُ دَخلٌ بالسِحرِ والقرءانُ لا دَخلَ له بالسِحر ِلكن اولِئكَ يَخلطونَ بعضَ الآياتِ القرآنيةِ بالسِحرِ، يَضَعونَ كلامًا خَبيثاً في الوَرَقةِ ثمَّ يَكتبونَ قُربَهُ بَعضَ الآياتِ فيَظُنُّ الجاهِلونَ مِنَ البَشَرِ أنَّ القرءانَ لهُ دَخَلٌ في السِحرِ، الشياطينُ بِذلِكَ تُضِلُّ النّاسَ لِترويجِ السِحرِ يُدخِلونَ بَعضَ الآياتِ القرءانِيةِ فيهِ، فمَن رأى شَيئًا مَكتوبًا مِنَ السِحرِ وإلى جانِبِهِ ءاياتٌ قرءانيَّة فَليَعلَمْ أنَّ القرءانَ لا دَخَلَ لهُ إنّما الشياطينُ أدخَلت هذا لِتُضِلَّ النّاسَ بأن يَظُنّوا أنَّ القرءانَ فيهِ سِحرٌ. والقرءانُ ضِدُّ السِحرِ، بالقرءانِ يُفَكُّ السِحرُ. سَيّدُنا سُليمانُ عليهِ السَّلامُ كانَ الكفَّارُ يقولونَ عَنهُ إنَّه كان مَلِكًا مِن المُلوكِ وإنّهُ كانَ يَعمَلُ بالسِحرِ وكَذبوا، السِحرُ ليسَ مِن عَمَلِ الأنبياءِ والأولياءِ إنّما الشياطينُ كانوا مُغتاظينَ مِن سَيّدِنا سُليمانَ عَليهِ السَّلامُ لأنَّ اللهَ أَعطاهُ سِرًّا فكانَت الشياطينُ تُطيعُهُ مَعَ كُفرِهِم، مِن غيرِ أَن يؤمِنوا كانوا يَخدُمونَهُ، يَعمَلونَ لهُ أعمالاً شاقّةً، فمَن خالفَهُ مِنهُم يُنزِلُ اللهُ تَعالى بهِ عَذابًا في الدُّنيا، لِذلِكَ كانوا مَقهورينَ لهُ، فلمّا ماتَ كتبوا السِحرَ ودَفنوهُ تحتَ كُرسِيِهِ ثمَّ قالوا للنّاسِ بَعدَ أَن ظَهَرَ بَعضُهُم أو عَدَدٌ مِنهُم للنّاسِ "هل تدرونَ بما كانَ يَحكُمُكُم سُليمانُ، كانَ يَحكمُكُم بِالسِحرِ"احفُروا تحتَ كُرسِيِهِ فحَفَروا فوَجَدوا هذا الكِتابَ فصَدّقوا أنَّ هذا الكتابَ لسِليمانَ وَضَعَ فيهِ السِحرَ فَكفروا، الذينَ صدَّقوا الشياطينَ كَفروا، لأنَّ السِحرَ لَيسَ مِن عَمَلِ الأنبياءِ ولا الأولياءِ.
فالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الذينَ يَقولونَ لهم "فلانٌ روحانيٌ" أو "مَعَهُ جِنٌ رَحماني" احذَروهُم وحَذِّروا الناسَ مِنهُم، أَغلبُ هؤلاءِ ولا نَقولُ كُلَّهُم، ضالّونَ مُفسِدونَ يُوقِعونَ النَّاسَ في الضّلالِ والكُفرِ لأنََّ الإنسانَ إذا اعتقدَ السِحرَ حلالاً وأنّهُ شىءٌ حَسَنٌ يكفُرُ، لأنَّ السِحرَ أمرٌ محرَّمٌ مِنَ المحرَّماتِ الكبائِرِ واستحلالُهُ كُفرٌ.
إنَّ السِحرَ مِنَ الكبائِرِ وقد قالَ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عَليهِ وَسَلًمَ: "ليسَ مِنّا مَن تَكَهَّنَ أوّ تُكُهِّنَ لهُ أوّ سَحَرَ أوّ سُحِرَ لَهُ".
والسِحرُ هو مُزاولةُ أعمالٍ وأقوالٍ خَبيثةٍ ومِنهُ ما يَكونُ بِالاستعانَةِ بالشياطينِ ومِنهُ ما يَكونُ بِغيرِ ذلِكَ، ولا يَجوزُ مُقابلة السِحرِ بالسِحرِ كما يَفعلُ بعضُ الجُهّالِ.
ومِن أَعمالِ السَحَرَةِ وأقوالِهم الخبيثةِ أنّهُم يَستنجِدون بِالشياطينِ، ويَتكلَّمونَ بِكلامٍ قبيحٍ فيهِ تعظيمٌ للشيطانِ ليُعينَهُم على إيذاء هذا الشخصِ الذي يريدونَ إيذاءَهِ، ومِن الأفعالِ الخبيثةِ التي يُزاولونَها أنَّهُم أحيانًا يَأخذونَ دمَ الحيضِ لِيَسقوهُ الشخصَ الذي يُريدونَ ضَرَرَهُ وأحيانًا يَستعينونَ بالشياطينِ، وأحيانًا يَستنجِدونَ بالكواكِبِ، على زَعمِهِم الكواكِبُ لها أرواحٌ تساعِدُهم، وكذلِكَ الشمسُ. ثمَّ هُم أحيانًا يَختارونَ وقتًا مُعيّنًًا لِعَمَلِ السِحرِ لأنَّ هذِهِ الأوقاتَ جَعلَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى لها خصائِصَ لِعَمَلِ الخيرِ ولعَمَلِ الشرِ.
ومِن أنواعِ السِحرِ سِحرُ التَّسليطِ، يُسَلَّطُ على الشَّخصِ جِنّيٌّ يُمرِضُهُ وأحيانًا هذا الجنّيُّ يقتلُهُ. وممّا ينفعُ للتّحصينِ مِنَ السِحرِ أنْ يُداوِمَ الشخصُ كلَّ صَباحٍ ومَساءٍ على قِراءةِِ المُعوِّذاتِ، قلْ أعوذ بِرَبِّ الناسِ وقلْ أعوذُ بِرَبِّ الفلقِ وسورةِ الإخلاصِ ثلاثًا ثلاثًا.
وأمّا قولُ بعضِ الناسِ: تعلَّموا السِحرَ ولا تعمَلوا بهِ فليسَ حديثًا، بَل هو مِن كلامِ الناسِ، وأمّا حُضورُ مَجالسِ السَحَرَةِ أثناءَ عَمَلِهِم ولو مِن غيرِ أُجرةٍ فهوَ حرامٌ، وأمّا هاروتُ وماروتُ فهُما مَلَكانِ مِنَ الملائِكَةِ لا يَعصونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعلونَ ما يُؤمَرونَ.
وأمّا ما يُروى عَنهُما أنّهُما شرِبا الخَمرَ ثم قتلا الطِفلَ الذي كانت تحمِلهُ المَرأةُ وَوَقعا عَليها فَغيرُ صَحيحٍ. وما يَذكُرُهُ كثيرٌ مِنَ المُفسِّرينَ في قِصّةِ هاروتَ وماروتَ مِن أنَّ الزُّهرَةََ كانت امرأةً فراوداها عَن نَفسِها فأبَتْ إلاّ أن يُعَلّماها الاسمَ الأعظَم فَعَلَّماها فَرُفِعَتّ كوكبًا إلى السَماءِ فهوَ كَذِبٌ ولَعَلّهُ مِن وَضعِ الإسرائيليينَ، وأمّا قولُ بعضِ المُفسِّرينَ مِن أهلِ السُنَّةِ إنَّ هاروتَ وماروتَ مُستثنيانِ مِن عِصمةِ الملائِكَةِ وإنّهُما شرِبا الخمرَ ثمَّ وَقعا على المرأةِ التي فُتِنا بِها فهذا القولُ غَلَطٌ لا صِحَّةَ لهُ.
هاروتُ وماروتُ كانا يُعَلِّمَانِ الناسَ السِحرَ لِيَِحْذرَهُ الناسُ، مَعَ التحذيرِ كانا يُعَلِّمَانِ الناسَ ويَقولانِ إنّما نحنُ فتنةٌ أي ابتلاءٌ مِنَ اللهِ أي يَبتليكم بنا ويَختبَرُكُم، معناهُ مَن عَمِلَ بالسِحرِ الذي علَّمناهُ يَكونُ عاصِيًا ومَن لم يَعمَلْ فليسَ عَليهِ ضَرَرٌ، أمّا أنّهُما رأيا امرأةً فرَكِبت فيهِما الشهوةُ فأرادا الوُقوعَ بِها فقالت حتى تُشرِكا فرَفَضا فقالت اشرَبا الخمرَ فشرِبا فَسكِرا وقتلا الصبِيَّ فهذا كَذِبٌ، هذا خُرافَةٌ.
وءاخِـــرُ دَعوانا أنْ الحَمــدُ للهِ رَبِّ العالمينَ.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation