Thursday, 28 March 2024
A+ R A-

الفِقْهُ فى الدّين

Listen to this Article in English Seeking Religious Knowledge

الحمد لله الذى منَح أهلَ التحقيق فى توحيده بَصائرَ وأحلاما* والصلاة والسلام على سيّدِنا محمدٍ الذى مَحَق اللهُ به أوثانًا وأصناما* وعلى ءاله وصحبِه وتابعيه ما أساغَ طاعِمٌ طعامًا واستعذَب ظمآنُ شرابًا والتذَّ مُسهَّدٌ[1] منامًا* وبعدُ عبادَ الله اتقوا الله. قال الله تعالى: ﴿ يَـــأيُّـهَا الذّينَ ءَامـَنـُوا اتـَّـقـُوا اللهَ وَلْتنظُرْ نفسٌ ما قدَّمت لغدٍ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ خبيرٌ بما تعملون ﴾ (الحشر، ١٨)

قال رسول الله : "مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقّـِهْهُ فى الدّين" رواه البخارىّ ومسلم. أى يجعلُه عالِمًا بالأحكام الشرعية ذا بَصيرةٍ فيها بحيث يستخرج المعانىَ الكثيرةَ من الألفاظ القليلةِ. وقال الإمام الأعظمُ أبو حنيفةَ النُّعمانُ رضِىَ الله عنه فى الفقه الأبسط: "الفِقهُ معرفةُ النَّفس ما لها وما عليها". والفقه لغةً الفهمُ، واصطلاحا العلمُ بالأحكام الشرعية العملية المكتسَبُ من أدلتها التفصيلية.

والرسول رغَّب فى تحصيل العلم الشرعىّ فقال: "ما عُبِد اللهُ بشىءٍ أفضَلَ من فقهٍ فى دين" رواه مسلم. والعلم هو أسنَى [أرفعُ] ما أُنفقت فيه نفائسُ الأوقات ومِن أَولَى ما عُلّـِقت به الرَّغَباتُ. قال اللهُ تعالى: ﴿ قُل هل يستوِى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾ (الزُّمَر ٩). أى لا يستوى هؤلاء وأولئك. فأهل العلم مقامُهم العالِى معروفٌ فى الشرع. قال تعالى: ﴿ إنما يخشَى اللهَ من عبادِه العلماءُ ﴾ (فاطر ٢٨). أى أن العلماءَ أشدُّ الناس خشيةً للهِ عزَّ وجلَّ لأنهم عرفوا الحلالَ فأقبلوا عليه، وعرفوا الحرامَ فابتعدوا عنه، وعرفوا الواجبَ فأدَّوه. والرسول ﷺ قال: "فضلُ العالِِم على العابِد كفضلِِى على أدناكم" رواه الترمذىُّ بإسناد صحيح. وهذه المفاضلة هى بين عالم هو حقُّ العالم وبين عابد هو حقُّ العابد. والعبادةُ دون علم كالكتابةِ على الماء، كما صرَّح بذلك بعضُ العلماء.

وعلم الدين يحتاج إليه الحُكَّامُ والآباءُ والأُمَّهات والتُّجَّارُ وغيرُهم. ولا يستغنِى عنه طبقةٌ من طبقات الناس. وإنَّ أحوالَ المسلمين تتحسن عندما يصبح العلمُ متوفّـِرًا بينهم.

ومن أراد أن يتعلَّمَ العلمَ الشرعىَّ وأن يكون عارفًا بالفقه فى الدين فما عليه إلا أن يسلُكَ طريقًا صحيحًا لطلب العلم. فلا يَعتمد على مطالعتِه الفردية ولم يكن حصَّل من العلم الشرعىّ القدرَ الذى يؤهّـِلُه لأن يكونَ مُمَيّـِزًا إذا ما طالع فى الكتب كى يفرّقَ بين الباطل والصحيح، وإلا لا يأمَنُ على نفسه من الوقوع فى الفهم السيّئ حيث لا يوجد معه من يُصَوّب له خطأَه. وهذا الأسلوب لا يجعله طالبَ علم ولا عالِما. بل يُحصَّل العلمُ من العلماء الثقات. فالفقه بالتفقُّه كما روى الطبَرانىُّ عن رسول الله .

أقول قولىَ هذا وأستغفرُ اللهَ لى ولكم.


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه. وبعد عبادَ الله اتقوا الله.

قال رسول الله : "طَلبُ العلمِ فريضةٌ على كلّ مسلم" رواه البيهقىُّ وصحّحه الحافظ المِزّىُّ.

إنَّ تفسيرَ الحديث حرفيًّا أى دون الرجوع إلى قواعد اللغة والشرع يؤدّى إلى أن كلَّ مسلمٍ الطفلِ والبالغِ والمجنونِ والعاقلِ يتوجَّب عليه طلبُ كل أنواع العلوم. وهذا مناقض للأحاديث كحديث: "رُفِع القلمُ عن ثلاث" وفيه: "عن الصبىّ حتى يَحتلِمَ" "وعن المجنون حتى يُفيق."

وكذا يشُقُّ على أحدِنا أن يكون مهندسًا كهربائيا وميكانيكيًّا ومدنيا وأن يكون طبيبًا ومدرّسا وغيرَ ذلك فى الوقت نفسه. واللهُ الحكيمُ قال فى قرءانه: ﴿ لا يُكلّـِف اللهُ نفسًا إلا وُسعَها ﴾ (البقرة ٢٨٦).

ثم إن النبى لم يحث صحابته على طلب العلم الدنيوىّ وجوبًا وكان فيهم من لا يعرف القراءة والكتابة. ولو كان واجبا تحصيله لأمرهم بذلك ولَلامهم على عدم تحصيله. وذلك لم يحصل. فبطل القول بأن العلم فى الحديث المقصود به علم المعارف الدنيوية.

فالعلم حيث أطلق فى السياق الدينى المقصود به العلم الدينىّ، كما فى قوله تعالى ءامرًا رسولَه ﷺ: ﴿ وَقُل رَّبّ ِ زِدْنِى عِلْمًا ﴾. وهناك جزء من العلم الدينى يتعين تحصيله وجوبًا عينيا وجزء ءاخر يجب تحصيله وجوبا كفائيًّا. فيصير المعنى: إنَّ تعلُّمَ القدرِ الضرورىّ من الدين أمرٌ واجب على كل مسلم مكلَّف ذكرٍ وأُنثَى.

وفى صحيح البخارىّ باب العلم قبل القول والعمل، بيَّن البخارىُّ رحمه اللهُ أنه يجب على المكلَّف أى البالغ العاقل أن يتعلَّمَ قبل أن يتصدَّرَ للتعليم وأن لا يدخلَ فى شىء حتى يتعلَّم ما أحلَّ اللهُ تعالى منه وما حرَّم حتى يميّزَ بين الحلال والحرام والصحيح والباطل والمقبول والمردود والخير والشرّ. ولا يكون التمييز بين هذه الأمور إلا بعد التعلُّم. وكذلك فإن التعلم لا بد منه قبل مزاولة أمور البيع والشراء والتجارة حتى لا يقع الإنسان فى الربا والغَشّ والكذب. فإن من لم يعرف الشرَّ من الناس يقع فيه.[2]

قال ابن رسلان (٧٧٣ - ٨٤٤ هـ) رحمه الله:

وَكُلُّ مَن بغيرِ علمٍ يَعملُ أعمالُه مردودَةٌ لا تَكْمُلُ (الزبد ٨)

مَن لم يكن يَعْلَمُ ذا فَلْيَسْألِ مَن لَم يَجِدْ مُعَلّـِمًا فَلْيَرْحَلِ (الزُّبد ٢١)

ولذا لا بدَّ أن يُتلقَّى العلمُ من الثقات. تعلَّموا العلمَ الواجبَ فهو سبيلُكم إلى النجاة يوم القيامة وتذكَّروا حديثَ رسول الله ﷺ: "رُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهرُ. ورُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوعُ والعطَشُ" رواه ابنُ حِبَّان.

قال رسول الله : “من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وفَّقَنا اللهُ وإيَّاكم إلى تعلم الدين بإخلاص، ويسَّر لنا ولكم التلقّى من العلماء الثقات، ونفعَنا اللهُ وإياكم بهذا العلم فى الدنيا والآخرة. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

خطبة الجمعة/فيلادلفيا ١٩ ءاب ٢٠١١ر (١٩ رمضان ١٤٣٢ هـ)


[1] السُّهاد هو الأرَق.

[2] قال أحدهم: عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرّ لكنْ لِتَوَقّـِيهِ وَمَن لا يَعرِفِ الشَّرَّ مِن الناسِ يَقَعْ فيهِ

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation