Tuesday, 10 December 2024
A+ R A-

وَفاةُ سَيدِنا مُحمَّدٍ صَلَّى الله علَيهِ وسلَّم

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى الله وسلم عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في محكمِ كتابِه: ﴿كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ وإنما تُوفَّونَ أجورَكم يومَ القيامةِ فمَنْ زُحزِحَ عنِ النارِ وأدخِلَ الجنةَ فقد فازَ وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغُرور ءال عمران/185. ويقولُ تبارك وتعالى مخاطِبًا نبيَّه المصطفى في القرءانِ الكريم: ﴿إنَّك ميتٌ وإنهم ميتون سورةُ الزمر/30. أي إنكَ ستموتُ وهم سيموتونَ.

الموتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخلُه يا ليتَ شعريَ بعدَ البابِ ما الدارُ

إخوةَ الإيمانِ، كلامُنا اليومَ بإذنِ اللهِ ربِّ العالمين عن وفاةِ سيدِ العالمينَ وإمامِ المجاهدينَ سيدِنا محمدٍ، عن وفاةِ القائدِ الأعظمِ سيدِنا محمدٍ، ففي قصةِ موتِه صلى الله عليه وسلم مواقفُ كثيرةٌ وعبرٌ أكثرُ.

خرجَ صلى الله عليه وسلم من بيتِ زوجتِه ميمونةَ فوصلَ إلى بيتِ عائشةَ وقدِ اشتدَّ عليهِ المرضُ فقالَ: "مروا أبا بكرٍ فليُصَلِّ بالناسِ إمامًا". كانَ قبلَ ذلكَ ينتظرُه الناسُ لصلاةِ العشاءِ فيقومُ للوضوءِ ثم بعدَ ذلك يُغمَى عليهِ من شدةِ المرضِ ثم يقومُ منَ الإغماءِ فيقولُ: أصُلِّى بالناسِ يا عائشة ؟ فتقولُ "لا يا رسولَ اللهِ هم ينتظرونَك"، حتى قالَ: "مرُوا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناسِ إمامًا". وكانَ أبو بكرٍ أرقُّ الصحابةِ وأثبتُهم قَلبًا.

ثم وجدَ القائدُ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم في نفسِه خفَّةً فخرجَ إلى المسجدِ بينَ رجلينِ أحدُهما العباسُ والناسُ ينتظرونَ فجلسَ على المنبرِ فاجتمعوا عليه فقالَ بعدَ أن حمدَ اللهَ وأثنَى عليهِ واستغفَرَ لأهلِ بدرٍ وأحدٍ "أُوصِي المهاجرينَ بالأنصارِ خَيرًا وأوصِي الأنصارَ بالمهاجرينَ خَيرًا". ثم قالَ: "إن عبدًا خيّره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند ربه" فقالَ أبو بكرٍ: "نفديكَ بآبائِنا وأمهاتِنا يا رسولَ الله" فهمَ الصدّيقُ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ إعلامٌ بقربِ الأجلِ.

ثم قالَ لهم صلى اللهُ عليه وسلم: "بلغنِي أنكم تخافُونَ من موتِ نبيِّكم وهل خُلِّدَ نبيٌّ قبلِي فأخلد فيكم ؟ قالَ اللهُ تعالى: ﴿إنكَ ميتٌ وإنَّهم ميِّتون سورةُ الزُّمر/30

وعادَ بعد ذلك إلى بيتِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها واشتدَ عليهِ المرضُ وجاءَه جبريلُ قائلاً: "السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ إنَّ ربَّك يقرئُك السلامَ يسألُكَ عما هو أعلمُ بهِ منكَ كيفَ تجدُكَ؟" (أي كيفَ تجدُ نفسَك) فقالَ: "أجِدُنِي وجِعًا يا أمينَ الله". ثم جاءَه في اليومِ الثانِي وقالَ: "يا محمد إنَّ ربَّك يقرِئُكَ السلامَ ويقولُ كيفَ تجدُك؟" فيقولُ صلى الله عليه وسلم: "أجدُنِي وجِعًا يا أمينَ الله". ثم جاءَه في اليومِ الثالثِ (جاءَ في هذهِ المرةِ كانَ معَه مرافقٌ) قالَ لهُ: "يا محمد إن ربكَ يقرئُكَ السلامَ ويقولُ كيفَ تجدُك؟" فقالَ الحبيبُ المصطفَى: "أجدُنِي وجِعًا يا أمينَ اللهِ ومنْ هذا الذي معك؟" فقالَ: "هذا ملكُ الموتِ عزرائيلُ" تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يموتُ وعندَه قدحٌ فيهِ ماءٌ فيُدخِلُ يدَه في القدحِ ثم يمسحُ وجهَه بالماءِ ويقولُ: اللهمَّ أعنِّي على سكراتِ الموتِ". تقولُ عائشةُ: "فرأيتُ وجههُ يحمرُّ ويعرقُ ولم أكن رأيتُ ميتًا قط" فقالَ لها صلى اللهُ عليه وسلم: "أقعدِيني، قالت: فأسندتُه إليَّ ووضعتُ يدي عليهِ فقبَّلتُ رأسَه فرفَعتُ يدِي عنهُ وظننتُ أنهُ يريدُ أن يصيبَ من رأسِي فوقَعَتْ من فيهِ نقطةٌ باردةٌ على صدرِي ثم مالَ فسقَطَ على الفراشِ فسجَّيْتُه بثوبٍ ولم أكن رأيتُ ميتًا قط، فجاءَ عمرُ يستأذِنُ ومعهُ المغيرةُ بنُ شعبةَ فأذِنْتُ لهما ومددتُ الحجابَ فقالَ عمرُ يا عائشةُ ما لنبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قلتُ غُشِيَ عليهِ منذُ ساعةٍ فكشفَ عن وجهِه فقالَ واغمَّاه إنَّ هذا لَهُو الغمُّ ثم غطاهُ ولم يتكلَّمِ المغيرةُ فلمَّا بلغَ عند البابِ قالَ المغيرةُ ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يا عمر فقالَ عمرُ كذبت ما ماتَ رسولُ اللهِ. وجاءَ أبو بكرٍ فقالَ ما لرسولِ اللهِ يا عائشة؟ قلتُ غُشِيَ عليهِ منذ ساعة، فكشفَ الصديقُ عن وجهِ رسولِ اللهِ عن وجهِ صاحبِه وحبيبِه ووضعَ فمَه بينَ عينيهِ ووضَع يديهِ على صِدغَيْهِ وقالَ: وانَبِيَّاه، واصَفِيَّاه، واخليلاه، صدقَ اللهُ ورسولُه: إنك ميتٌ وإنهم ميِّتون" .

وهكذا إخوةَ الإيمانِ ماتَ القائدُ الأعظمُ، ماتَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ماتُ إمامُ الأبرارِ وقائدُ الغرِّ المحجلينَ، ماتَ من قالَ فيه ربُّه: ﴿وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمينَ سورة الأنبياء/107. اللهم اجمَعْنا بهِ في أعلَى علِّيِّينَ يا ربَّ العالمينَ يا الله، يا أرحمَ الراحمينَ يا الله. هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية:

التحذيرُ من قولِ بعضِ الناسِ "التكبّرُ على المتكبِّرِ صدقَة"

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمد بن عبد اللهِ وعلى ءالٍه وصحبِه ومن والاه.

أما بعد عبادَ اللهِ فإنِي أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ الذي أمرَ عبادَه بالتواضعِ ونهاهم عن التكبرِ بقولِه عزَّ مِنْ قائل: ﴿ولا تمشِ في الأرضِ مرحًا الآية. (سورة لقمان /18، وسورة الإسراء/37) أي لا تمشِ مشيةَ الكبرِ والفخرِ. وروى مسلمٌ من حديثِ عياض رضيَ الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ اللهَ تعالى أوحَى إليَّ أن تواضَعوا حتَّى لا يبغِيَ أحدٌ على أحدٍ ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ" .

إخوةَ الإيمان، إن اللهَ ذمَّ التكبُّرَ ونهَى عنه، وكذلكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذمَّ المتكبرينَ فقالَ: "إنهم يُحشرونَ يومَ القيامةِ كأمثالِ الذرِّ (أي النملِ الأحمرِ الصغيرِ) يطأُهم الناسُ بأقدامِهم ولا يموتونَ إهانةً لهم".

والتكبُّرُ من الكبائرِ، ومعناهُ ردُّ الحقِّ على قائلِه معَ العلمِ بأنَّ الحقِّ معَ القائِلِ، ومعناهُ أيضًا احتقارُ الناسِ.

فبعد هذا البيانِ اعلموا رحمكم اللهُ بتوفيقِه أنهُ لا يُقالُ "التكبُّرُ على المتكبِّرِ صدقةٌ" فاحذروا وحذِّروا من هذه العبارةِ لأن الذي يجعلُ الشىءَ الذي ذمَّه اللهُ والرسولُ حسنًا معَ علمِه بذمِّ الشرعِ له فقد كذَّبَ الدينَ والعياذُ بالله. فكن أخي المسلمُ دائمًا على ذُكرٍ أن الحسنَ ما حسَّنَه الشرعُ والقبيحُ ما قبَّحَه الشرعُ. واللهَ نسألُ أن يجعلَنا من عبادِه المتواضعينَ ويحفظَنا منَ الكِبْرِ والفَخرِ.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتقوا ربَّكم إن زلزلةَ الساعةِ شىءٌ عظيمٌ يومَ ترونَها تذهلُ كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها وترَى الناسَ سُكارى وما هم بسكارَى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديد، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

A.I.C.P. The Voice of Moderation