يوم عَاشُورَاء
محرم أولُ الشهورِ القمريةِ وفيهِ أيامٌ مباركةٌ ولا سيما يوم عاشوراء، يوم العاشرِ من المحرم. وقد جعلَ اللهُ صومَ يومِ العاشرِ من محرم سُنةً ليسَ بواجبٍ، وإنما لم يجب صومُه لخبرِ الصحيحينِ: "إنّ هذا اليومَ يوم عاشوراء ولم يُكتبِ اللهُ عليكم صيامَه، فمن شاءَ فليصُمْهُ ومن شاءَ فليُفطِر". ولقد ترافقَ معَ يومِ العاشرِ من المحرمِ عبر الزمانِ أحداثُ وأمورٌ منها:
أَن يومَ عاشوراءَ هو اليومُ الذي تابَ اللهُ فيه على ءادمَ.
وهو اليومُ الذي نجَّى اللهُ فيه سفينةَ نوحٍ منَ الغرقِ.
وهو اليومُ الذي أغرقَ اللهُ فيه فرعونَ وجنودَه ونجَّى موسى ومن ءامنَ به من بنِي إسرائيل.
فقد بُعثَ سيدُنا موسى عليه السلام في زمنِ الملكِ الظالمِ الطاغيةِ فرعونَ وكان اسمُه الوليدُ بنُ مصعب وكان يدعِي الألوهيةَ والعياذُ باللهِ فمرةً قال "ما علمتُ لكم من إلهٍ غيرِي" ومرةً قالَ "أنا ربُّكمُ الأعلى" فجاءَ سيدُنا موسى عليه السلام يدعو إلى توحيدِ اللهِ وتنـزيهِه عنِ الشريكِ والشبيهِ وأمرَه اللهُ أن يذهبَ إلى فرعونَ ليدعُوَه إلى الإسلام قال تعالى لموسى ﴿إذْهَبْ إلى فِرعَونَ إنَّهُ طَغَى﴾ أي تَجاوزَ الحَدَّ في الكُفْرِ ﴿فقل هل لكَ إلى أنْ تَزَكَّى﴾ أي أدعوكَ فتتَحلى بالفضائل وتَطَّهَّر مِنَ الرَذائِلِ ومنَ الكِبْرِ والكُفْرِ ﴿وأهدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ أي أدلَكَ على معرفته بالبُرْهانِ فتخَافَه ﴿فأراهُ الآيةَ الكُبْرى﴾ منَ الآياتِ السَبْع وهي اليَدُ أو العَصا. ولكن الطاغيةَ فرعونَ تكَبَّرَ وعاندَ قال تعالى: ﴿فَكَذَّبَ وعصَى ثُمَّ أَدبَرَ يَسْعَى﴾ أي في الأرضِ فسادًا ﴿فحشَر﴾ أي جمع السَّحَرَةَ وجنودَهُ ﴿فنادى﴾ قامَ فيهم خَطيبًا ﴿فقال أنا ربُكم الأعلى﴾ لأنه يدّعي أن لا ربَّ فوقَهُ قادِرٌ عليهِ. وكان سيدُنا موسى قد لقي من فرعونَ وأتباعِهِ ما لَقِيَ منَ الأذى فخَرَجَ موسى ومن اتَّبعَهُ من بنِي إسرائيلَ مِن مصرَ وكانَ معه سِتُمائَةِ ألفٍ ولَحِقَهُ فرعونُ وخَرَجَ معه ألفُ ألفٍ وسِتمائَةِ ألفٍ منَ المقاتلين يريدُ أن يُبيدَ موسى ومَن معه. قال تعالى: ﴿فلَمَّا تَراءا الجَمْعانِ قال أصحابُ موسَى إنا لَمُدْرَكُون قال كَلاَّ إنَّ مَعِيَ ربّي سَيَهْدين فأوحينآ إلى مُوسَى أنِ اضْرِب بعَصَاكَ البَحْرَ فانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطُّودِ العَظيم﴾ سورة الشعراء / 61، 62، 63. انفلقَ البحر اثني عشَرَ فِرقًا كلُّ فِرْقٍ كالجَبَلِ العظيم وبينَ كلِ فِرْقَيْن طَريقٌ يَبَسٌ. فدخل موسى ومَن مَعَهُ البحرَ وقَدِمَ فرعونُ وجُنودُهُ وقالَ لنَلْحَقَنَّهم ولَنُدْرِكَنَّهُم، وقد شاء اللهُ أن يكونَ جبريلُ راكبًا على فَرَسٍ أُنْثَى وفِرْعَوْنُ راكبًا على حِصانٍ ذَكَرٍ فجَعَلَ حصانُ فرعَوْن يُريدُ اللُحوقَ بفَرَس جِبريلَ، فساقَ اللهُ فرعون وجنودَهُ إلى حيثُ أراد وذلك جَزَاءً لهم على مَكرهم وتَكَبُّرِهم فمَكَرَ فرعونُ ومَكرُهُ خُبْثٌ وخِداعٌ، قالَ تَعالى ﴿ومكَرُوا ومكرَ اللهُ واللهُ خَيْرُ الماكرين﴾ أي أن الله أقوى في إيصالِ الضرر إليهم من حيثُ لا يَشْعُرون قال ربنا عز وجل: ﴿وجاوَزْنا بِبَني إسرائيلَ البَحْرَ فأتْبَعَهُم فرعونُ وجُنودُه بَغيًا وعَدْوًا حتى إذا أدركَه الغَرَقُ قال ءامنتُ أنَّهُ لا إله إلاَّ الذي ءامنَتْ به بَنُوا إسرائيلَ وأنَا منَ المسلمين ءالآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكنتَ مِنَ المفسِدين﴾. سورة يونس / 90، 91.
مع هذه المعجزة العظيمةِ قال بعضُ أتباعِ فِرْعونَ إنه اختَفَى ولم يمت فأظهَرَ اللهُ تعالى جَسَدَ فِرْعونَ المتكبّرِ مُنتفِخًا قال تعالى ﴿فاليومَ نُنَجِّيْكَ ببدَنِكَ لتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايةً وإنّ كثيرًا منَ النَّاسِ عنْ ءاياتِنا لَغافِلُون﴾ سورة يونس / 92.
وفي عاشوراءَ بعدَ وفاةِ الرسولِ الأعظَم بِسنينَ قَتَلَ الظَّالمونَ سِبْطَ رسولِ اللهِ وأحدَ سَيِّدَي شَبابِ أهل الجنَّةِ سيدَنا الإمامَ الحسينَ بنَ علي بنِ أبي طالب ولَدَ فاطِمَةَ الزَهراءِ بنتِ رسولِ اللهِ.
وقد أَعلَمَ اللهُ النبيَ صلى الله عليه وسلم أن الحُسينَ عليه السلام سيَموت قَتْلاً وذلكَ أن مَلكَ القَطْرِ أي المَطرِ ميكائيلَ عليه السلامُ استأذنَ ربَّهُ ذاتَ يوم أن يَزُورَ سيدَنا محمدًا عليه الصلاة والسلام فبينما هو جالسٌ معه قالَ الرسولُ عليه السلام لأمِّ سَلَمَةَ أن تحفظَ عليهمُ البابَ وأن لا يَدْخُلَ عليهِما أحدٌ فهَجَمَ الحُسينُ مِنْ دُونِ انتباهٍ مِنْها فدخَلَ والتزَمَ النبيَّ فضَمَّهُ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ فقالَ لهُ الملَكُ أَتُحِبُهُ، قال نعم، قالَ إنَّ أُمَّتَكَ ستَقْتُلُهُ وإن شِئْتَ أُريكَ التُربةَ التي سَيُقْتَلُ عندها، فمَدَّ يَدَهُ مِن المكان الذي هو فيه فأحضَرَ تُربةً حمراءَ من كَربلاءَ، فأخذَتْهُ أُمُّ سَلَمة وصَرَّتْهُ في خِرْقَةٍ. ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ الحُسينُ رضي اللهُ عنهُ ظَهَرَتْ النُجومُ في النهارِ، ولمَّا ماتَ الحُسينُ كانَ يُرَى تحتَ الحَجَرِ الذي يُرفَعُ دمٌ. فبكَتْ عليهِ السماءُ والأرضُ أي بَكَى عليهِ الملائكَةُ البكاءَ الحقيقي لأنَّ خشيةَ اللهِ فيهم أكثَرُ مِنَّا. الرسولُ كذلكَ بَكَتْ عليه السماءُ والأرضُ، صفيةُ عمَّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت وهي تَرثي رسولَ اللهِ: بكَت عليهِ الأرضُ والسَّماءُ وبكاهُ نَدِيمُـــه جِبريـــلُ وكان مقتل الامام الحُسين يومَ العاشِر مِنَ المُحَرَّمِ.
اعلَمُوا يا عبادَ اللهِ أنَّهُ كما يُسَنُّ صيام عاشوراء يُسَنُّ أَيضًا صيامُ تاسوعاء وهو التاسعُ من المُحَرَّم لقَولِهِ صلى الله عليه وسَلّمَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ لأَصومَنَّ التَّاسعَ" رواه مسلم. ولكن ماتَ رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلَّمَ قَبلَهُ. وقَد قالَ بَعضُهُم: وحِكمَةُ صَومِ يومِ تاسوعاءَ مع عاشوراءَ الاحتياطُ لهُ لاحتمالِ الغلطِ في أوّلِ الشهرِ، وكذلكَ الاحترازُ مِنْ إفرادِه بالصَّوْمِ إن صادَفَ يومَ الجُمعَةِ. فإن لم يصم معه تاسوعاءَ سُنَّ أن يصومَ معه الحادي عشَرَ بل نصَّ الشافِعيُّ في الأُمِ والإملاءِ على صَومِ الثَلاثَةِ.
والله اعلم