الأشاعرة والماتريدية
الأشاعرة والماتريدية نسبة إلى إمامي أهل السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي. وهم على عقيدة الرسول والصحابة. وهم الفرقة الناجية التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قال فيه: [وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة. كلهم في النار إلا واحدة وهي الجماعة]. وفي رواية: [وهي السواد الأعظم]. وفي رواية: [وهي التي على ما أنا عليه وأصحابي ]. ومعنى أهل السنة: الذين يتبعون شريعة الرسول، أي العقيدة التي جاء بها والأحكام. أما معنى كلمة الجماعة: الجمهور الغالب. واليوم زاد عدد المسلمين على المليار. ومعظم هؤلاء الأشاعرة والماتريدية. والذين خالفوا شاذون .
والأشاعرة والماتريدية يقولون إن الشرعَ هو الأصل والعقلَ السليمَ شاهدٌ له .
وقد خالف المشبهةُ المجسمةُ الذين يشبهون الله بخلقه الرسولَ والصحابةَ ومن تبعهم وهم أهل السنة والجماعة. فشبهوا الله بخلقهِ وزعموا أن لهُ جوارحَ وأعضاء وأن له مكانًا وجهةً. وهم بذلك كذَّبوا القرءان، كقوله تعالى :{ ليس كمثله شئ}. ومن كذب القرءان لا يكونُ مسلمًا. وزعموا أنهم ينتسبون لأحمد بن حنبل وأحمدُ برئ منهم. فقد نقل صاحبُ الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال إن الله جسمٌ لا كالأجسام كفر. والمشبهة يعتقدونَ أن الله جسم. وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال لعبد الله بن أحمد بن حنبل يقولُ فيه: سألت أبي (يعني الإمامَ أحمد) عن الرجُلِ يمَسُّ مِنبَرَ النبيّ متبرّكًا ويفعلُ مثل ذلك بالقبرِ. قال أحمد: لا بأس بذلك. والمشبهة المجسمة يعتبرونَ هذا شركًا.
وأما علم التوحيد فهو أفضل العلوم وأولاها بالعنايةِ. وقد سماهُ الإمام أبو حنيفة الفقه الأكبر. وألف رسائل في ذلك. وروى الحافظ ابن عساكر في كتابِ تبيين كذب المفتري أن الإمام الشافعي قال: أحكمنا ذاك قبل هذا، أي أتقنا علم التوحيد قبل علم فروع الفقه. ويعلمُ أفضليةُ هذا العلم من قول الله تعالى :{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}. قدم اللهُ العلمَ به (إشارةً إلى علم التوحيد الذي يتعلقُ بمعرفةِ الله والرسول) على الاستغفار اللساني (إشارةً الى علمِ الفروعِ). وأما الكلامُ المذموم عند أهل السنة فهو كلامُ أهل الأهواء المبتدعة المخالفين للرسول والصحابة، كالحشوية المجسمة المشبهة، وابنِ تيمية وابنِ القيم الجوزية والمعتزلة والمرجئة والخوارج ومن كان على شاكلتهم .
وأما قول أهل السنة والجماعة لا يجوز الأخذ بظواهر النصوص المتشابهة فإنه حق لأن الأخذ بها يؤدي إلى القول بتناقض القرءان والحديث. وهذا محال. فإنك إذا نظرت إلى ظاهر قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى} فإن ظاهره يوهم أن الله في جهة فوق العرش، وهذا ليس المراد. وإذا نظرت إلى ظاهر قوله تعالى:{والله من ورائهم محيط} فهذا يوهم أن الله يحيط بالعالم ويحدق به، وهذا ليس المراد. فمن قال نأخذ بظواهر النصوص المتشابهة فقد جعل القرءان متناقضًا. لذلك قال أهل السنة ليس المقصود بقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ظاهره، بل يجوز تفسيره بأن الله قاهرُ العرشِ ومسيطرٌ عليه. وقد خُصَّ العرشُ بالذكرِ لكونهِ أعظمَ الأجرام حجمًا. ألا ترى أن الله تعالى قال : وهو ربُّ العرشِ العظيم مع أنهُ ربُّ كلِ شىء!
أما السلفُ الصالحُ فهم أهلُ السنةِ والجماعةِ الذينَ كانوا في القرونِ الثلاثةِ الأولى. والمشبهةُ المجسمةُ الحشويةُ ليسوا منهم. والذينَ ينكرونَ التوسلَ والتبركَ بالأنبياءِ والصالحين بعد مماتهم ويكفرون المتوسلين والمتبركين ليسوا منهم. بل هم شاذون .
وأما القولُ بأنهُ لاحاجة إلى تأويلِ أيّ نصٍ من النصوص فهو كذبٌ محض وجهلٌ من قائلهِ، لأن تركَ التأويل الإجمالي والتفصيلي يؤدي إلى ضربِ النصوصِ بعضِها ببعض. ومعنى قولِ السلفِ عن الآيات المتشابهات أَمِرُّوهَا كما جاءت بلا كيفٍ أننا نعتقد بما جاء في القرءان من الآيات المتشابهة ونؤمن بها ونفوّضُ في معناها مع تنزيهِ اللهِ عن الكيفِ. والكيفُ هو: كلُ ما كانَ من صفاتِ الخلقِ، كالجهةِ والمكان والجلوس والاستقرار والانفعالِ. فالسلفُ غلبَ عليهم أنهم يؤولون النصوص المتشابهة تأويلاً إجماليًّا، وذلك لتنزيهِ اللهِ عن مشابهة الخلق.
وقد دأب المشبهة المجسمة نفاةُ التوسل على اعتبار ابن تيمية إمامَهم وسمَّوه شيخَ الاسلام زورًا وبهتانًا. فإن ابن تيمية هذا لم يكن من السلف لا زمانًا ولااعتقادًا ولا قالًا ولا حالًا. فإنهُ تُوفي في سنة سبعمائة وثمانٍ وعشرين للهجرة. ولهُ معتقدات وأقوال فاسدة. قال الحافظ أبو زُرْعَةَ العراقيُّ إنه خالف الإجماع في مسائل قيل إنها تبلغ ستين مسئلة، بعضها في الاعتقاد وبعضها في الفروع. وهاكم أمثلةً على ذلك. ففي كتابهِ الذي سماه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول الجزء الأول صحيفة 291 يقول مانصهُ: فإن الأزليَّ اللازمَ هو نوع الحادث لا عينُ الحادث إ.هـ ثم قال: بل يكونُ الحادث اليومي مسبوقًا بحوادثَ لا أولَ لها ا.هـ وهذا من أشنع الكفر لأنه أثبت أزليًّا سوى الله فأشرك بذلك بالله. وقد كذب بذلك القرءان والحديثَ والإجماع والعقلَ. وفي نفس الكتاب من نفس الجزء صحيفة 344 يقولُ ابن تيمية: فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحركُ إذا شاء ا.هـ. فانظر رحمك اللهُ كيف شبَّهَ ابنُ تيمية ربَّ العالمين بالخلق ووصَفَه بالحركة. فالحركة صفة الجسم لأن معناها انتقالُ الجِرم من مكان إلى ءاخر. والحركةُ ضدُ السكون فهما متعاقبان. والمتعاقبان حادثان فيكونُ ابنُ تيمية جعل الله حادثًا.
وفي نفس الكتاب من الجزء الثاني صحيفة 413 يقولُ ابن تيمية: ويقولُ الخصمُ رابعًا قولهُ لم لا يجوز أن يكون متحركًا قولك الحركة حادثة قلت حادثة النوع أو الشخص الأول ممنوع والثاني مسلَّم ا.هـ. وفي هذا يظهر اعتقاد ابنِ تيمية بقِدَم نوعِ الحوادث. وهذا من الشرك. وهذا هو الكلامُ الذي ذمَّهُ العلماءُ لا كلام أهل السنة والجماعة. ويقولُ ابن تيمية في كتابه الذي سماهُ بيانُ تلبيسِ الجَهمية في صحيفة 573 مانصُّهُ: فأولُ من يَعلم بغضبه الذين يحمِلون العرشَ يجدونهُ يثقل عليهم فيسبحهُ الذين يحملون العرش. وذكر الخبرَ القاضي فقال: اعلم أنه غيرُ ممتنعٍ حملُ الخبر على ظاهره، وأن ثقلَهُ يحصلُ بذات الرحمن إذ ليس في ذلك مايحيل صفاتِه ا.هـ. وهذا من أشنع الكفرِ جعل الله جسمًا يثقلُ. والعياذُ بالله .
وقد قال السبكي إنَ ابنَ تيمية هو أولُ من حرَّم السفرَ بقصد زيارة قبر النبي .
واعلم أيها المطالعُ أن الإمام أحمدَ روى حديث: لَتُفْتَحَنَّ القِسطَنْطِينِيَّةُ. فَلَنِعمَ الأميرُ أميرُها، ولَنِعمَ الجيشُ ذلك الجيشُ. وهذا الأمير هو السلطان محمدٌ الفاتحُ رضي الله عنه الذي فتح القسطنطينية. وكان ماتريديًّا. فيكونُ معنى الحديث أن الرسول يُثْنِي على الماتريدية وعلى إمامهم أبي منصور. فمن طعن فيهم يكون معارضًا للرسول. ومَن يعارض الرسولَ إلا الضالُّ؟ واعلم أن الماتريدية والأشاعرة شىءٌ واحدٌ.
والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.