أَقْوَالٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا - 4
وَمِمَّا يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ (إِبْليسُ طَاووسُ الْمَلائِكَةِ) فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لأَنَّ إِبْلِيسَ لَيْسَ مِنَ الْمَلائِكَةِ أَصْلاً. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم: "خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ ءادَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم" أَيْ مِنَ الْمَاءِ وَالْتُّرَابِ. وَقَالَ اللهُ تعالى: "إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ". فَإِذَا كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجِنِّ وَالرَّسُولُ يَقُولُ عَنِ الْجِنِّ "وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ" وَعَنِ الْمَلائِكَةُ "خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ" فَكَيْفَ يُقَالُ عَنْهُ مَلَكٌ أَوْ طَاووسُ الْمَلائِكَةِ أَوْ مُعَلِّمُ الْمَلائِكَةِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجُهَّالِ! ثُمَّ إِنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ عَنِ الْمَلائِكَةِ "لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون". وَقَالَ تعالى "إِلا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين". فَكَيْفَ بَعْدَ هَذَا يُقَالُ عَنْهُ مَلَكٌ وَاللهُ تعالى قَالَ عَنْهُ "مِنَ الْكَافِرين". وَالْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ مَنْ يَدَّعي الإرْشَادَ وَالإصْلاحَ وَالدَّعْوَةَ إِلى اللهِ كَيْفَ يَقُولُ (إِبْلِيسُ مَا كَفَرْش) وَكَرَّرَهَا مَرَّتين. وَهَذَا الْقَوْلُ رَدٌّ لِلنَّصِّ الْقُرْءانِيُّ. قَالَ الإمامُ النَّسَفِيُّ: "وَرَدُّ النُّصُوصِ كُفْرٌ".
وَمِمَّا يَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْجُهَّالِ (اللهُ أَكْبَار) بِالأَلِفِ. هَذَا اللَّفْظُ فَاسِدٌ لأَنَّ الأَكْبَارَ هِيَ الطُّبُولُ الْكَبِيرَةُ. فَمَنْ كَانَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى يَكْفُرُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. وَمَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْمَعْنَى عَصَى. وَإِنْ قَالَهَا في تَكْبِيرَةِ الإحْرَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ.
وَمِمَّا يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعَوَامِّ (اللهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ) بِالْيَاءِ لأَنَّ هَذَا خِطَابُ الأُنْثَى. وَهَذَا يُعَدُّ تَنْقِيصًا لله، لِذَلِكَ لا يَجُوزُ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا وَهُوَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ. وَإِنْ كَانَ لا يَفْهَمُ الْمَعْنَى فَقَدْ عَصَى. وَإِنْ قَالَ هَذَا في الصَّلاةِ على النَّبِيِّ في تَشَهُّدِ الصَّلاةِ فَسَدَتْ صلاتُهُ.
وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ (اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّد). فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فَاسِدَةُ الْمَعْنَى، لأَنَّ الْمِيمَ في لَفْظَةِ اللهُمَّ هِيَ بَدَلٌ مِنْ ياءِ النِّدَاءِ. فَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ (يَا رَبِّ صَلِّ على نَفْسِكَ) أَيْ زِدْ نَفْسَكَ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا. وَمَنْ قَالَ هَذَا وَهُوَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى كَفَرَ، لأَنَّ كَمَالَ اللهِ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ. وَالزِّيَادَةُ والنُّقْصَانُ عَلامَةُ الْحُدُوثِ. وَالْحَادِثُ لا يَكُونُ إِلَهًا. أَمَّا مَنْ كانَ لا يَفْهَمُ الْمَعْنَى فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ يَأثَمُ.
كَذَلِكَ يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ عِنْدَ الدُّعَاءِ (اللهُ يُبَارِكُ فيكَ يَا رَبّ)، وَهُوَ يُكَلِّمُ شَخْصًا. فَهَذَا الْكَلامُ مَعْنَاهُ فَاسِدٌ لأَنَّهُ يَصِيرُ دُعَاءً لِرَبِّ الْعَالَمين. وَلَوْ قَالَ اللهُ يُبَارِكُ فِيكَ لَكَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا. لَكِنْ حِينَ زَادَ عَلَيْهَا كَلِمَةَ يا رَبّ صَارَ الْمَعْنَى يَا رَبِّ بَارِكْ في نَفْسِكَ. وَفَسَادُ هَذَا ظَاهِرٌ.
وَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (اللهُمَّ سَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) بِالسِّينِ، لأَنَّ سَلِّ مِنَ التَّسْلِيَةِ. وَالتَّسْلِيَةُ تَكُونُ لِلْمَحْزُونِ. أَمَّا صَلِّ بِالصَّادِ فَمَعْنَاهَا ارْحَمْهُ الرَّحْمَةَ الْمَقْرُونَةَ بِالتَّعْظِيمِ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: "لا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَلا نِيَّةٌ وَلا عَمَلٌ إِلا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ" أَيِ الشَّرِيعَةِ. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ." فَتَصْحِيحُ اللَّفْظِ أَمْرٌ مُهِمٌّ. فَكَمَا تَتَمَيَّزُ الصَّادُ عَنِ السِّينِ كِتَابَةً، كَذَلِكَ لا بُدَّ أَنْ تَتَمَيَّزَ عَنْهَا نُطْقًا. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجْعَلُونَ الصَّادَ سِينًا نُطْقًا. وَقَدْ مَرَّ عُمَرُ باثْنَيْنِ يَتَبَارَيَانِ بِالرَّمْيِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: (أَسَبْتَ) بِالسِّينِ بَدَلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَصَبْتَ بِالْصَّادِ. فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَر "خَطَؤُكَ بِاللَّفْظِ أَشَدُّ مِنْ خَطَئِكَ بِالْرِّمَايَةِ".
وَيَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْ قِرَاءَةِ "الصِّراط" في الْفَاتِحَةِ بَيْنَ السِّينِ والصَّادِ، لا هِيَ سِينٌ مَحْضَةٌ وَلا هِيَ صَادٌ مَحْضَةٌ. نَقَلَ النَّوَوِيُّ في الْمَجْمُوعِ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا في الْفَاتِحَةِ في الصَّلاةِ عَلى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَلَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ في زمن التَّقْصِيرِ. وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ. فَكَلِمَةُ "الْصِّرَاط" في الْقُرْءَانِ قَرَأهَا الرَّسُولُ بِالسِّينِ وَقَرَأَهَا بِالصَّادِ. أمَّا بَيْنَ السِّينِ وَالصَّادِ كَحَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوامِّ فَهَذَا فَاسِدٌ. وَالصَّادُ مِنْ حُرُوفِ الصَّفِيرِ. قَالَ الْعلماء: "سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَوْتٍ يَخْرُجُ مَعَهَا يُشْبِهُ صَفِيرَ الطَّائِرِ." وَحُرُوفُ الصَّفِيرِ هِيَ الصَّادُ وَالسِّينُ وَالزَّايُ.