التَّاجرُ الصَّدُوقُ
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى الله وسلم عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في كتابِه المعجزةِ الكريمِ: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقوا ربَّكم إنَّ زلزلةَ الساعةِ شىءٌ عظيم. يومَ ترَوْنَها تذهَلُ كلُّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها وترَى الناسَ سُكارى وما هم بسكارَى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديد﴾. سورةُ الحج / الآية 1و2. اتقوا اللهَ عبادَ اللهِ القائلَ في محكمِ كتابِه: ﴿ثم لتُسألُنَّ يومئذٍ عنِ النعيم﴾ سورة التكاثر / الآية 8.
وصدقَ مصباحُ التوحيدِ سيدُنا عليٌّ رضي اللهُ عنه حينَ قالَ: "الدنيا حلالُها حسابٌ وحرامُها عقابٌ". حلالُها حسابٌ، معناهُ أن الإنسانَ يُسألُ عن المالِ الحلالِ الذي دخلَ عليه في الدنيا من أينَ أخذَه، فإن أخذَه من حلالٍ نجا وما عليه عقوبة، وإن كان جمعَه من حرامٍ يستحقُّ العقابَ ولو صرفَه في طرق الخيرِ، إنما السالمُ المؤمنُ الذي اتقى ربَّه عزّ وجلّ وجمعَ ما وصلَ إليه من المالِ بطريقٍ حلالٍ وصرفه في طريقٍ مباحٍ. لذلك إخوةَ الإيمان يسرُّنا اليومَ أن نذكِّرَكم بصفاتِ التاجرِ الصدوقِ، فلقد قالَ الصادقُ المصدوقُ حبيبُنا محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم: "التاجرُ الصدوقُ يُحشَرُ يومَ القيامةِ معَ النبيينَ والصِدِّيقينَ والشهداءِ والصالحين". وقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "طلُب الحلالِ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ". فعلى من أرادَ البيعَ والشراءَ أن يتعلّمَ ذلك وإلا أكلَ الرِّبا شاءَ أم أَبى، والسبيلُ لتجنُّبِ أكلِ الربا، والسبيلُ لتجنّبِ أكلِ المالِ الحرامِ التفقُّهُ في دينِ اللهِ تعالى. وقد ثبتَ عن سيّدِنا عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه: "لا يقعُدُ في سوقِنا من لم يتفقَّه". لأنَّ من لم يتعلّمْ ما يتعلّقُ بذلك من الأحكامِ الشرعيّةِ يُخشى عليه أن يقعَ في الربا الذي هو من أكبرِ الكبائر، فليَحذرِ المؤمنُ من جميعِ أنواعِ الرِبا ولا يستهِنْ بشىءٍ منَ الرِّبا فإنَّ عاقبةَ الرِبا وخيمةٌ وقد ظهرَ من أناسٍ بعدِ وفاتِهم وهم في قبورِهم ءاثارٌ من العذابِ عذابِ القبرِ كانوا معروفِينَ بالربا. كان رجلٌ يُرابِي معروفًا بالمراباةِ ومعَ ذلك كان فيهِ تجبّرٌ على الناسِ حتى إنه كانَ مرَّةً في موكبٍ وهو راكبٌ بغلةً فرأى امرأةً أعجبته فأخذَها قهرًا وزوجُها رجلٌ مسكينٌ ضعيفٌ، ثم ماتَ هذا الرجلُ المرابِي فصارَ يطلعُ من قبرِه الدخانُ صارَ أهلُه يجمعونَ له المشايخ، فقالَ لهم بعضُ المشايخِ استسمِحُوا لهُ الناسَ الذينَ كانَ يأخُذُ منهم المالَ بالقرضِ لأنهُ اشترَط بإقراضِه لهم جرَّ منفعةٍ له فصاروا يدورُونَ على الناسِ ويقولونَ لِهذا سامِحْ فلانًا ولهذا ولهذا وكثيرٌ منَ الناسِ يقرأونَ له على القبرِ ثم بعدَ سبعةِ أيامٍ انقطعَ هذا الدخانُ من قبرِه. وما يستُرُه اللهُ أكثرُ إنما يُظهرُ القليلَ منَ الكثيرِ، اللهُ تبارك وتعالى يُخفِي حالَ أكثرِ المُرابِينَ ولا سيما في هذا العصرِ ما أكثرَ عددَهم. "التاجرُ الصدوقُ يُحشرُ يومَ القيامةِ معَ النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ"، وما ذاكَ إلا لأجلِ ما يلقاهُ من مُجاهدةِ نفسِه وهواهُ وقهرِها على إجراءِ العقودِ على الطريقِ الشرعيِّ وإلا فلا يخفى ما توعّدَ اللهُ من تعدَّى الحدودَ. في قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق يُحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء" بشارةٌ لمن تعاطَى التجارةَ واتقى اللهَ بتجنُّبِ ما حرّمَ اللهُ تعالى من أنواعِ التجاراتِ المحرّمةِ والخيانةِ والغَشِّ والتدليسِ والتزمَ الصدقَ في وصفِه لبضاعتِه وسِلعتِه وفي إخبارِه بالثمن، بشارةٌ له بأنهُ من الذينَ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وأعلَمنا بذلك أنَّ من لم يكن كذلكَ فهو مستحقٌ للعذابِ الأليم.
إخوةَ الإيمان، رسولُ اللهِ أدَّبنا أحسنَ تأديبٍ، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا نظرَ أحدُكم إلى من هو أفضلُ منهُ في المالِ والخَلْقِ فلينظُرْ إلى من هو أسفل منه". فكثيرٌ من الناسِ ينظُرونَ إلى من عندَه مالٌ أكثر منهم ينظرونَ إلى زينةِ الدنيا ومباهِجِ الدنيا وزخارِف الدنيا، فبعضُهم يتحسَّرُ في قلبِه ويسعَى لجمعِ المالِ ولا يسألُ ويأكلُ المالَ الحرامَ ولا يسألُ ويدخُلُ في معاملاتٍ فاسدةٍ مخالفةٍ للشرعِ ولا يسأل. لذلك أخي المسلم انظرْ إلى من هو أدنَى منك في الدنيا، إذا كانَ حذاؤُك مُمَزَّقًا فقُلْ غيرِي بلا قدمينِ. اللهم اكفِنا بحلالِك عن حرامِك وبطاعتِك عن معصيتِك وأغنِنا بفضلِك عمَّن سواكَ يا أرحمَ الراحمين. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخُطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقوا ربَّكم إنَّ زلزلةَ الساعةِ شىءٌ عظيم. يومَ ترَوْنَها تذهَلُ كلُّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها وترَى الناسَ سُكارى وما هم بسكارَى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديد﴾. سورةُ الحج / الآية 1و2، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.