العقيدة المرشدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله وكفى وسلامٌ على عبادِه الذين اصطفى
رسالةٌ في التوحيدِ، للشيخ أبي منصور عبد الرحمن بنِ محمد بنِ الحسن بنِ هبةِ اللهِ بنِ عساكرَ الدمشقيّ
(550هـ ـ 620 هـ)
قالَ الشيخُ فخْرُ الدينِ بنُ عساكرَ رحمه الله:
اعلم أرشدَنا الله وإياكَ أنه يجبُ على كلّ مكلَّف أن يعلمَ أن الله عزَّ وجلَّ واحدٌ في مُلكِه، خلقَ العالمَ بأسرِهِ العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ، والسَّمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما. جميعُ الخلائقِ مقهورونَ بقدرَتِهِ، لا تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ، ليسَ معهُ مُدبّرٌ في الخَلقِ ولا شريكٌ في المُلكِ، حيٌّ قيومٌ لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ، عالمُ الغيب والشهادةِ، لا يَخفى عليهِ شىءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، يعلمُ ما في البرّ، والبحرِ وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُهَا، ولا حبةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رَطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين.
أحاط بكلّ شىءٍ علمًا وأحصى كلَّ شىءٍ عددًا، فعالٌ لما يريدُ، قادرٌ على ما يشاءُ، له الملكُ وله الغِنَى، وله العزُّ والبقاءُ، ولهُ الحكمُ والقضاءُ، ولهُ الأسماءُ الحسنى، لا دافعَ لما قضى، ولا مانعَ لما أعطى، يفعلُ في مُلكِهِ ما يريدُ، ويحكمُ في خلقِه بما يشاءُ. لا يرجو ثوابًا ولا يخافُ عقابًا، ليس عليه حقٌّ [يلزمُهُ] ولا عليه حكمٌ، وكلُّ نِعمةٍ منهُ فضلٌ وكلُّ نِقمةٍ منه عدلٌ، لا يُسئلُ عما يفعلُ وهم يسألونَ. موجودٌ قبل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يُقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكوانَ ودبَّرَ الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان، ولا يشغلُهُ شأنٌ عن شأن، ولا يلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بالذهنِ، ولا يتمثلُ في النفسِ، ولا يُتصورُ في الوهمِ، ولا يتكيَّفُ في العقلِ، لا تَلحقُهُ الأوهامُ والأفكارُ، (لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). اهـ.
واعلم رحمَكَ اللهُ بتوفيقِه أنَّ سيدَنا محمدَ بنَ عبد اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قصيّ بنِ كلابِ بن مُرّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِ بنِ غالبِ بن فِهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ بنِ كِنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدركةَ بنِ إلياسَ بنِ مضرِ بنِ نزارِ بنِ معدِّ بنِ عدنانَ عبدُ اللهُ ورسولُه ونبيُّه وخليلُه، خيرُ الخلقِ أجمعين، وقائدُ الغرّ المحجلين، أرسلَه ربُّه إلى الإنسِ والجنّ، مبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنهِ وسراجًا منيرًا.
نزلَ عليهِ بالوحيِ جبريلُ الأمين، وهو رئيسُ الملائكةِ المكرَّمين، خلقهم اللهُ من نور، وجبلهم على الطاعة، وقواهُم عليها، فلا ينامون، ولا يفترون، ولا يأكلون، ولا يشربون، ولا يعصون اللهَ ما أمرَهم ويفعلون ما يؤمرون.
كِتابه الذكرُ الحكيم، وشريعته الحنيفية السمحَة، وأمَّتُه خيرُ الأمم.
ليس فوق رتبتِه في الناسِ رُتبة، ولا ينال منـزلتَه مخلوق، خاتمُ النبيين وإمامُهم، وأعلمهم وأعلاهم، وأفصحُهُم وأقواهم، وأجملُهم وأنجدُهُم وأشجعهُم وأسخاهُم، وأكثرُهُم ءاياتٍ وأظهرهُم معجزاتٍ.
وهُم جميعًا أهلُ الفضلِ والصبرِ، والإيمان واليقين، والصدق والديانة، والعفةِ والصيانة، والذكاء والفطانة، والتبليغِ والأمانة.
جَمٌّ غفير أولُهم ءادمُ عليه السلام، خلقه اللهُ من طينٍ فجعله بشرًا سويًّا في أحسنِ تقويم، ومن ذُرّيتِه شيثٌ وإدريس، ونوحٌ وهود، وصالحٌ وشعيب، وإبراهيمُ ولوطٌ، وإسماعيلُ وإسحاقُ، ويعقوبُ ويوسف، وموسى وهارون، ويوشعُ ويونس، وأيوبُ وذو الكِفل، وإلياس وأليسعُ، وداودُ وسليمانُ، وزكريا ويحيى، وعيسى والخضِر، وغيرُهم كثير.
دينُهم واحد هو الإسلامُ، وهُم أفضلُ خلقِ الله، أحياءٌ في قبورهم يصلون. هم الوسيلة، ولهم الشفاعةُ يوم الدين، ولنبيّنا المقامُ المحمودُ.
وَجَمَاعُ ما تقدَّم كلهُ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :”الإيمانُ أن تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبه ورسله واليومِ الآخرِ وبالقدرِ خيرِه وشرّه”. وهو صحيحٌ رواه مسلم.