اَلطَّهارَةُ وفَضْلُهَا
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، تنَزّه ربِّي عن القُعودِ والجُلوسِ والمكانِ، كانَ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ، فهوَ موجودٌ بلا مكانٍ.
وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُه مَن بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَّةَ، جَزَاهُ اللهُ عنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أنبِيائِهِ، الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيكَ سَيِّدِي يا عَلَمَ الهُدَى، يا أبا القَاسِمِ يا أبَا الزهراءِ يا محمّد، يا حبيبَ قلبي وروحي وفؤادي يا محمّد.
أمَّا بعدُ عِبَادَ اللهِ، فَإِنِّي أُحِبُّكُم في اللهِ وَأُوصِيكُم وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ فِي السِّـرِّ والعَلَنِ أما بعد فقد روى مسلمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فأحسَنَ وضوءَهُ خَرَجَتْ مِنْهُ خَطَايَاهُ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَظَافِرِه".
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "إذَا تَوَضَّأَ المسلِمُ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ خَرَجَتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مَعَ الماءِ أو مَعَ ءاخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الماءِ وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايا يدَيْهِ معَ الماءِ أَو مَعَ ءاخِرِ قطرةٍ مِنَ الماءِ وَإِذا مَسَحَ رأسَهُ خَرَجَتْ خَطَايَا رَأْسِه مَعَ الماءِ أَوْ مَعَ ءاخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الماءِ وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَا رَجْلَيْهِ مَعَ الماءِ أو مَعَ ءاخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الماءِ".
إخوةَ الإِيمانِ إِنَّ الطهارةَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَثَّنَا عليهِ الشرعُ فَيَجِبُ الاعتِنَاءُ بِالطَّهارَةِ بالوُضُوءِ والغُسلِ والاستِنْجاءِ وَإِزَالَةِ النَّجاسَةِ ونحوِها وذلكَ لِقَوْلِ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: "الطهورُ شطرُ الإيمانِ" فالطهورُ هو رَفْعُ الحَدَثِ الأَكْبَرِ والأَصْغَرِ وإزالَةُ النجاسَةِ ومَنْ لا يُتْقِنُ طَهَارَتَهُ لا يُتْقِنُ صَلاتَهُ أي مَنْ لا يُؤَدِّي طَهَارتَهُ على الوَجْهِ التَّامِّ لا يُؤَدِّي صلاتَه علَى الوَجْهِ التَّامِّ بل لا بُدَّ مِنْ أُمُورٍ تَنْقُصُه.
قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَيَسئَلُونَكَ عَنِ المحَيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِّسآءَ فىِ المحَيضِ وَلاَ تَقرَبوُهُنَّ حَتىَّ يَطهُرنَ فَإِذَا تَطَهَّرنَ فَأتُوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهّرِينَ﴾ سورة البقرة / 222.
ويقولُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى: ﴿لا تَقُمْ فيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجَالٌ يحُبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا واللهُ يُحِبُّ المُطَّهّرِينَ﴾ سورة التوبة/108.
وأَوَّلُ مَقَاصِدِ الطَّهارَةِ هُوَ الوُضُوءُ فُرِضَ عِندَمَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ ولكن لَيسَ مِنْ خَصَائِصِ الأُمَّةِ المحمَّديةِ بل كانَ قبلَ ذلكَ مَفْروضًا عَلَى الأُمَمِ الماضِيَةِ الصَّلاةُ وكانُوا يُصَلُّونَ بِوُضُوءٍ ورُكوعٍ وسجودٍ، رَوَى البُخَارِيُّ أنَّ سارَةَ زَوجَ إبراهيمِ عليهِ السلامُ تَوَضَّأَتْ لَمَّا دَخَلَتْ أرضَ الجَبَّارِ.
لكن أَمَّةُ سَيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه و سلم خصَّها اللهُ بِخَصائِصَ منهَا مَا وردَ في الحديثِ الذِي رواهُ مسلمٌ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أمتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ" أي بِزيادَةِ شَىءٍ مِمَّا حَوْلَ الوَجْهِ فِي غَسْلِ الوَجْهِ فِي وُضُوئِهِمْ وَزِيَادَةِ شىءٍ مِمَّا فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ والكَعْبَيْنِ فِي غَسْلِ أيديهِم وأرجُلِهِمْ، تُنَوَّرُ لَهُمْ هَذِهِ المواضِعُ يَظْهَرُ منهَا نُورٌ يومَ القِيامَةِ فَيَعْرِفُ رسولُ اللهِ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ بِهَذِهِ العَلامَةِ.
ومِنَ الطَّهارَةِ الاستِنْـزَاهُ مِنَ البَوْلِ فقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "استَنْزِهُوا مِنَ البَوْلِ فَإِنَّ عامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنْهُ" مَعناهُ تَحَفَّظُوا مِنَ البَوْلِ لِئَلاَّ يُلَوِّثَكُمْ مَعْنَاهُ لا تُلَوِّثُوا وجلُودَكُمْ بهِ لأَنَّ عَامَّةَ عَذابِ القَبْرِ مِنْهُ.
إخوَةَ الإيمانِ الذِي يَعْرِفُ مَا كَانَ شرع عيسَى وموسَى يرَى في شرعِ سيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم تَسْهِيلاً كَبِيرًا، فقد قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم: "اسْتَنْزِهُوا مِنَ البَوْلِ فَإِنَّ بَنِي إسرائيلَ كَانُوا إِذَا أصابَهَمُ البَوْلُ يَقْطَعُونَهُ بِالْمِقْرَاضِ" أي إذا أَصَابَ الثَّوْبَ بَوْلٌ كَانوا يَقْطَعُونَه بِالْمِقَصِّ أما في شرعِ محمدٍ إذا أَصابَ الثَّوبَ بَوْلٌ فَيُطَهِّرُهُ الماءُ فعلَينا إخوةَ الإيمانِ أَنْ نَتَفَقَّهَ في دينِنَا وَنُتْقِنَ طهارَتَنَا مِنْ وُضوءٍ وَغُسْلٍ وَاسْتِنْجَاءٍ وَنَحْوِه فقد جاءَ في الحدِيثِ أَنَّ الرَّسولَ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كانَ مِنْ جُملَةِ ما يقولُهُ بعدَ الفَرَاغِ مِنَ الوُضُوءِ "اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرينَ وَيقُولُ شَيْخُ الإمامِ مالكٍ الإمامُ ربيعةُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُيَسِّرُ لَهُ أَمْرَ طهارَتِه"، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَضَمَّخُونَ بِالبَوْلِ وَيَظُنُّونَ أَنَّ التَّضَمُّخَ بِهِ أَخَفُّ منَ التَّضَمُّخِ بِالغَائِطِ ولكنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِالرَّأْيِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَليًا قَالَ: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بالرَّأيِ لكانَ مَسْحُ الخُفِّ مِنْ أَسْفَلِهِ لا مِنْ أَعْلاهُ".
فَلِهَذَا أحبابَنا فَإِنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم عَدَّدَ الزَّوجَاتِ لِحِكَمٍ وَمِنْهَا حَتَّى تتَعَلَّمَ النساءُ منَ النِّساءِ أمورَ الطَّهارَةِ وَنَحْوِها مِنَ الأحكامِ.
ورَوَى البُخارِيُّ ومسلمٌ والترمذِيُّ وأبو داودَ عَنِ ابنِ عباسٍ: "مَرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على قَبْرَيْنِ فقالَ "إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرِ إِثْمٍ" قالَ "بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ" ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ اثنَيْنِ فَغَرَسَ على هَذا واحِدًا وعلى هذَا واحِدًا ثم قالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عنهُما".
واسمَعُوا معِي ما قَالَهُ سيدُنا عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا: "لَمَّا كنتُ في سَفَرٍ وَءاوانِي الليلُ إلَى مَنْزِلِ عَجُوزٍ إلَى جانِبِ بَيْتِهَا قَبْرٌ، قالَ: سَمِعْتُ هاتِفًا يَهْتِفُ بِالليلِ يَقُولُ: بَولٌ وَمَا بولٌ شَنٌّ وما شَنٌّ (الشنُّ شىءٌ فيهِ مَاءٌ) فَقُلْتُ وَيْحَكِ ما هَذَا فقالَتْ: زَوْجٌ لِي وَكانَ لا يَتَنَزَّهُ مِنَ البَوْلِ فَأَقُولُ لَهُ وَيْحَكَ إنَّ البَعِيرَ إذا بَالَ تَفَاجّ فكانَ لا يُبَالِي قَالَتْ: وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ جاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: اسقِنِي فَإِنِّي عَطْشَان قَالَ: عندكَ الشَّنُّ، وشَنٌّ لَنَا مُعَلَّقٌ فقالَ يا هَذا اسْقِنِي فإِنِّي الساعَةَ أمُوتُ قالَ: عندَكَ الشَّنُّ قالَتْ: وَوَقَعَ الرَّجُلُ مَيِّتاً، قَالَتْ: فَهُوَ يُنَادِي مِنْ يوم ماتَ "بَوْلٌ ومَا بَوْلٌ شَنٌّ ومَا شَنٌّ" اللهمَّ نَجِّنَا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَعَذابِ الآخرَةِ واجْعَلْنَا مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنَا مِنَ المُتَطَهِّرينَ. هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.
الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.