Sunday, 06 October 2024
A+ R A-

الرِّبَا الوَبَاءُ الْخَطِيْرُ

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغْفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جِسْمَ ولا مكانَ لهُ، أنْزَلَ عَلَى حبيبِهِ محمّدٍ شريعةً سَمْحَاءَ قدْ فازَ ورَبِحَ مَنْ تَمَسّكَ بِها، وقدْ خَابَ وخَسِرَ مَنْ أَعْرَضَ عنها.

وأشهدُ أنّ سيِّدَنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ، المبعوثُ رحمةً للعالمينَ فَبَلّغَ شريعةً سَمَاويَّةً عَظِيمَةً فَأَنْقَذَ اللهُ تعالى بهِ خلقًا كثيرًا كانُوا يَعبُدُونَ الأوثانَ فَصَارُوا يَعْبُدُونَ اللهَ الواحِدَ الدَّيَّانَ.

الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ سيّدي يا محمّدُ أنتَ طِبُّ القُلوبِ ودواؤهَا، أنتَ عافِيَةُ الأَبْدانِ وشفاؤها، أَنْتَ نُورُ الأَبْصَارِ وَضِياؤُها.

وأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشرَقَتِ الأَرضُ وضاءَتْ بنورِكَ الأُفقُ

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ ، فإنِّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ، وبالتمَسُّكِ بِنَهْجِ سيِّدِ المرسلينَ سيِّدِنا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ الذي أنْزَلَ اللهُ تعالى على قَلْبِهِ قرءانًا عربيًا ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (سورة البقرة/2) .

فقدْ جاءَ في هذا القرءانِ العظيمِ الذي لا ريبَ فيهِ: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ سورة البقرة / 275.

إنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى تَعَبَّدَنا أَيْ كَلَّفَنَا بِأَشْيَاءَ فَلا بُدَّ مِنْ مُراعَاةِ مَا تَعَبّدَنا، فعَلَى العَبْدِ أنْ يُطِيعَ خَالِقَهُ بِأَدَاءِ ما أَمَرَ بِهِ واجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ لأنَّ اللهَ تعالَى أَهْلٌ لأَنْ يُطَاعَ، وسَواءٌ في ذلكَ ما ظَهَرَتِ الحِكمَةُ فيهِ ومَا لَمْ تَظهَرْ لَنَا الحِكْمَةُ فِيهِ وَهَذَا اخْتِبَارٌ مِنَ اللهِ تباركَ وتعالى لعبادِهِ، فمَنْ سَلَّمَ للهِ في كُلِّ شَىْءٍ فَهُوَ العَبْدُ المُطِيعُ المُسْرِعُ فِي الطَّاعَةِ، وَلْيُعْلَمْ أنَّ كلَّ شَىْءٍ أوْجَدَهُ اللهُ فِي هَذَا العَالَمِ أوْجَدَهُ لِحِكْمَةٍ. فَاللهُ تعالَى حَرَّمَ علينَا الرِّبَا، حَرَّمَ عَلَيْنَا فِعْلَهُ وَأَكْلَهُ وَأَخْذَهُ وَشَهَادَتَهُ، فَلَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنّهُ قالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ءَاكِلَ الرِّبَا وَمُوْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ".

وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ تعالى أنّ الرِّبا أنواعٌ مِنْهُ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ نَسِيْئَةً، والنّقْدَانِ هُمَا الذّهَبُ والفِضّةُ، وَمَعْنَى نَسِيْئَةً أيْ مُؤَجَّلاً وَلَوْ كانَ الأَجَلُ قَصِيرًا جِدًّا كَلَحْظَةٍ أوْ دَقِيقَةٍ. مَعْنَى ذَلِكَ أنْ يُشْترَطَ ذَلِكَ لَفْظًا بِأَنْ يَقُولُ أَحَدُهُما لِلآخرِ بِعْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِهذَا الدِّينَارِ عَلَى أنْ تُسَلِّمْنِيهِ غدًا أوْ في ساعةِ كذا.

وإليكُمْ إِخْوَةَ الإِيمَانِ مِثَالٌ عَمَّا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الرِّبَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، يَدْخُلُ عِنْدَ بَائِعِ الذّهَبِ (أوِ الذِي نَقُولُ لَهُ الصَّايِغُ) فَيَقُولُ لَهُ بِعْتُكَ هذا الذَّهَبَ بِكَذَا مِنَ الذَّهَبِ أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الذَّهَبَ بِكذَا مِنَ الفِضَّةِ أَسْتَلِمُهُ مِنْكَ غدًا، هَذَا معنَى النَّسيئَةِ تَأجِيلُ الدَّفْعِ وَلَوْ إلَى مُدَّةٍ قَصيرَةٍ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقَعُ فِي رِبَا الفَضْلِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَرِبَا الفَضْلِ هُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلاً أَوِ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ كَذلكَ، ومعنَى التَّفَاضُلِ أيْ معَ زِيَادَةِ الوَزْنِ في أحَدِ الجَانِبَيْنِ يعنِي مَنْ أرَادَ أَنْ يَبِيعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أوْ فِضَّةً بِفَضَّةٍ لا يَجُوزُ أنْ يَزِيدَ أحَدُهُما على الآخرِ، ويُشْتَرَطُ أنْ يُقْبِضَ هذا صَاحِبَهُ وَأَنْ يُقْبِضَ الآخَرُ صَاحِبَهُ قَبْلَ أنْ يَفْتَرِقَا يعنِي يُشْترَطُ التقابُضُ، هذا يَدْفَعُ قَبْلَ الافْتِرَاقِ وهذا يَدْفَعُ قَبْلَ الافْتِرَاقِ فَإِنِ افْتَرَقضا مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ وَقَعَا في نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبا وَهُوَ رِبا اليَدِ.

وانتبِهْ جَيِّدًا. أَخِي المؤمِنُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حديثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ رضيَ الله عنه أنهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةُ بالفِضَّةِ وَالبُرُّ بِالبِرِّ (وَالبُرُّ أيِ القَمْحُ) والشَّعيرُ بالشعيرِ والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالمِلْحُ بِالمِلحُ مِثْلاً بِمِثْلٍ".

انتَبِهْ جَيِّدًا لِمَا يَقُولُه حَبِيببُنا المصطَفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ "مَِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَواءٍ يَدًا بِيَدٍ فإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ".

وهُنَا أعودُ وَأُذَكِّرُكُمْ بِالآيَةِ الكَريمَةِ ﴿وَأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ وأحَلَّ اللهُ البيعَ أَيِ البَيْعَ المُسْتَوْفِيَ لِلشُّروطِ وَالأَرْكانِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ مَثَلاً لا بُدَّ أن يُرَاعِيَ الشُّروطَ التِي جَاءَ بِهَا شَرْعُنَا الحَنِيفُ امْتِثَالاً لأمرِ اللهِ تعالَى فَلا يَحِلُّ بيعُ الذَّهبِ بِالذَّهبِ أو القمحِ بالقمحِ إلاَّ بِثَلاثَةِ شُروطٍ أولاً: التَّساوِي بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ والمعيارُ الشرعِيُّ بالذهبِ هُوَ الوَزْنُ والمعيارُ الشرعيُّ بالقَمحِ هُوَ الكَيْلُ.

ثانِيًا: عِلمُهُمَا أي المتعاقِدَيْنِ عِلْمُهُمَا بِالتَّساوِي يَقِينًا عِنْدَ العَقْدِ.

ثالثًا: التَّقابُضُ أي هذا يدفَعُ لِهَذَا وهذا يدفَعُ لِهذَا ولا يقولُ الواحِدُ للآخَرِ استَلِمُهُ منكَ بعدَ سَنَةٍ أو شَهْرٍ مَثَلاً.

اللهُمَّ اكفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ وَبِطَاعَتِكَ عن مَعْصِيَتِكَ وأَغْنِنَا يا رَبُّ بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ. هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم

الخطبة الثانية:

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا ، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون . اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation