Tuesday, 10 December 2024
A+ R A-

حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى

الله أكبر (٩ مرات).

الحمد لله العزيز الحكيم[1]‏* والصلاة والسلام على نبيّـِه محمدٍ الكريم* وعلى ءاله وصحبه ذَوِى القلب السليم* وبعد عباد الله اتقوا اللهَ. قال الله تعالى: ﴿ يَــأيُّـهَا الذّينَ ءَامـَنـُوا اتـَّـقـُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تمُوتُنَّ إِلَّا وَأنْـتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (ءال عمران ١٠٢).

ثمَّ إنَّ من أسماء الله تعالى الحَكِيمَ أىِ المتصفَ بالحكمة. قال الحَلِيمىُّ: الذى لا يقول ولا يفعل إلا الصواب. وقال أبو سليمان الخطابىّ: الحكيم هو المُحْكِم لخلق الأشياء (صُرّفَ عن مُفعِل إلى فعيل). ومعنى الإحكام لخلق الأشياء إنما ينصرف إلى إتقان التدبير فيها وحسن التقدير لها. إذ ليس كل الخليقة موصوفًا بوثاقة البُِنية وشدةِ الأَسر كالبَقَّة والنَّملة وما أشبهَهما من ضعاف الخلق. إلا أن التدبيرَ فيهما والدلالةَ بهما على وجود الصانع وإثباته ليس بدون (أقلّ من) الدلالة عليه بخلق السموات والأرض والجبال وسائر مَعاظم الخليقة. وكذلك فى قوله تعالى: ﴿ الَّذِى أَحسَنَ كُلَّ شَىءٍ خَلَقَهُ ﴾[2] (السجدة ٧) لم تقعِ الإشارةُ به إلى الحُسن الرائق فى المنظر. فإن هذا الأمرَ معدومٌ فى القرد والخنزير والدوابّ وأشكالِها من الحيوان. وإنما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التدبير فى إنشاء كل خلق من خلقه على ما أَحَبَّ أن يُنشئَه عليه وإبرازِه على الهيئة التى أراد أن يهيئَه عليها، كقوله عز وجلَّ: ﴿ وخَلَقَ كُلَّ شىءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ (الفرقان ٢). (من الأسماء والصفات للبيهقىّ ٢٢).

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِى يُصَوّرُكُمْ فى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إلَـهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (ءال عمران ٦). أخبر تعالى عن تصويره للبشر فى أرحام الأمهات كيف يشاء، يعنى من حسن وقبح، وسواد وبياض، وطول وقصر، وسلامة وعاهة، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة‏. لا خالقَ ولا مصوّرَ سواه، الذى لا يغالَب، ذو الحكمة أو المُحْكِم. وذلك دليل على وحدانيته. وهذه الآية تعظيم لله تعالى، وفى ضمنها الردّ على نصارَى نَجران، وأن عيسى من المصَوَّرين فكيف يكون إلها مصوِّرًا؟ وذلك مما لا ينكره عاقلٌ.

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّـِنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إلَّا بِالحَقّ يُفَصّـِلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* ﴾ (يونس ٥) أى أن اللهَ جعل الشمسَ مضيئةً (ذاتَ ضياء). وكذلك جعل القمرَ منيرًا (ذا نور). وقدَّرَه منازلَ (ذا منازل) على عدد الشهر، وهو ثمانية وعشرون منزلا. ويومان للنقصان والمحاق. وبه تحصى الشهور التى عليها العمل فى المعاملات ونحوِها. قال ابن عباس: لو جعل اللهُ شمسين، شمسا بالنهار وشمسا بالليل ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يُعلم عددُ السنين وحسابُ الشهور.

قوله تعالى: ﴿ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إلاَّ بِالحَقّ ﴾ (يونس ٥) أى ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمةَ والصوابَ، وإظهارًا لصنعته وحكمته، ودلالةً على قدرته وعلمه، ولتُجزَى كل نفس بما كسبت؛ فهذا هو الحقّ. ﴿ يُفَصّـِلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* ﴾ (يونس ٥) تفصيل الآيات تبيينُها ليُستدَّلَ بها على قدرته تعالى، لاختصاص الليل بظلامه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ولا إيجاب؛ فيكون هذا لهم دليلًا على أن ذلك بإرادة مريد.

وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّـتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ *﴾ (الأنبياء ١٦-١٧) أى عبثا وباطلا، بل للتنبيه على أن لها خالقًا قادرًا يجب امتثال أمره، وأنه يجازى المُسِىءَ والمحسن. أى ما خلقنا السماءَ والأرض ليظلم بعضُ الناس بعضا، ويَكفرَ بعضُهم، ويخالفَ بعضُهم ما أُمِر به ثم يموتوا ولا يُجَازَوا، ولا يُؤمَروا فى الدنيا بحسن ولا يُنهَوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفىُّ عن الحكيم ضدُّه الحكمة.

لما اعتقد قومٌ أن لله ولدًا قال تعالى: ﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّـتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾ واللهو المرأة بلغة اليمن. واللهو كذلك الزوجة، والولد. وقد يُكنَى باللهو عن الجماع. أى من عندنا لا من عندكم، من أهل السماء لا من أهل الأرض. وفيه الردّ على النصارى وعلى من قال إن الأصنام بناتُ الله؛ أى كيف يكون منحوتُكم ولدًا لنا! ﴿ إن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ المعنى ما كنا فاعلين؛ مثل ﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ (فاطر ٢٣) أى ما أنت إلا نذير. و ﴿ إن ﴾ بمعنى الجَحْد. وتمَّ الكلام عند قوله: ﴿ لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا ﴾. تبارَك اللهُ العزيزُ الحكيمُ.

قال الله تعالى: ﴿ ألَيسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمينَ ﴾ (التين ٨) ذكر القرطبىّ: أى أن اللهَ هو أتقَنُ الحاكمين صنعًا فى كل ما خَلَقَ. وقيل: ﴿ بأحكمِ الحاكمينَ ﴾ قضاءً بالحق، وعدلًا بين الخلق.

قال تعالى: ﴿ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصّـِلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ (هود ١) أى جُعلت مُحكَمةً كلُّها لا خللَ فيها ولا باطلَ. والإحكامُ مَنْعُ القول من الفساد، أى نُظمت نظمًا محكمًا لا يلحقها تناقضٌ ولا خللٌ. وقال قتادة: أحكمَها اللهُ من الباطل، ثم فصَّلها بالحلال والحرام. ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ أى من عندِ مُحكِمٍ للأمور، عليمٍ بكل كائن وغيرِ كائن. وقال تعالى: ﴿ يَـس* والقرءانِ الحكيمِ* ﴾ (يس ١-٢)، ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ *﴾ (ءال عمران ٥٨) أى المُحكَم، أو ذو الحكمة فى تأليفه ونظمه وإبانة الفوائد منه. أقول قولِىَ هذا وأستغفر اللهَ لى ولكم.

الله أكبر (٧ مرات). اللهُ أكبرُ كبيرًا* والحمد لله كثيرا* وسبحان الله وبحمده بُكرةً وأصيلا* والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله وصحبه وحِزبِه* أما بعد عبادَ الله اتقوا اللهَ.

ثم إن هذا اليومَ هو يومُ عيد الفطرِ. فهو يوم فرحة بأداء صيام رمضان، ثم بالفطر طاعةً لله واتّباعا لنبيه محمد . فداوِموا على طاعة ربكم بأداء الواجبات واجتناب المحرمات. ويسن صيامُ ستّ من شوال والأفضل متتابِعة.

ولا تنسَوْا زكاةَ الفطر عنكم وعن كل مسلم تجب نفقته عليكم. وهى عند الشافعىّ صاعٌ (أربعة أمداد) من غالب قوت البلد إذا فَضَلَت عن دَيْنِكم -ولو كان مؤجَّلًا- وكسوتِكم ومسكنِكم وقُوتِكم، وكذا عن عيالِكم يومَ العيد وليلتَه التى تليه. وعند أبى حنيفة نصفُ صاع (ثلاثةُ أمداد) من بُرّ أو صاعٌ (ستةُ أمداد) من تمرٍ أو شعير أو زبيب. ويجوز دفعُ القيمة (نحو ستة دولارات). ويجوز إخراجُها فى رمضان. والسُّنة إخراجُها يومَ العيد قبلَ الصلاة. ويحرُم تأخيرُها عن يوم العيد بلا عذر.

فى هذا اليوم السعيد انسُوا خُصوماتِكم، وأتمِروا بالمعروف، وتناهَوا عن المنكر، ووسّـِعوا على أزواجكم وذَرارِيّـِكم. ولا تنسَوُا المحتاجين من أبناء المسلمين. ولا تنسَوُا البلاءَ النازلَ بأبناء أمتكم المسلمين فى أفغانستان وفلسطين وسورية وغيرِها من بلاد الأرض. واحمَدوا اللهَ على ما هداكم وأولاكم.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات* اللهم فرّج كروبَنا وكروبَ أحبابنا وكروبَ المسلمين* اللهم تقبَّل منا صلاتنا ودعاءنا* واجعل هذا العيد عيدَ خير وبَركة ووئام*

تقبَّلَ اللهُ طاعاتكم* وكلَّ عيد وأنتم بخير* خطبة عيد الفطر فيلادلفيا ١ شوال ١٤٣٤ هـ * ٨ تموز ٢٠١٣ ر



[1] العزيز معناه المنيع الذى لا يُنال ولا يُغالَب، والذى لا يعجزه شىء، والغالب، والذى لا مثل له. والحكيم معناه الحاكم، وبينهما مزيد المبالغة. وقيل معناه الـمُحْكِمُ؛ ويجىء الحكيم على هذا من صفات الفعل، صُرّفَ عن مُفعِل إلى فعيل، كما صرف عن مُؤلِم إلى أليم. وقال قوم: الحكيم المانع من الفساد.

[2] خلَقه بفتح اللام عاصم ونافع وحمزة والكسائىّ وخلف. والباقون بتسكينها.

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation