شرحُ حَدِيثِ "منْ أكلَ طيِّبًا وعملَ بِسُنَّةٍ وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دخلَ الجنةَ"
إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدّ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ ولا جسمَ ولا جُثّةَ لهُ ولا كميّةَ ولا مكانَ لهُ. هوَ اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ لهُ كُفُوًا أحدٌ، جلَّ ربي لا يشبهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شىءٌ، ليسَ كمثلِهِ شىءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ. وأشهدُ أنّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، بلّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانَةَ ونصحَ الأمّةَ، فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جَزَى نبيًا منْ أنبيائِهِ ، اللهمّ صلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تَقضي بها حاجاتِنا، اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تُفرِّجُ بها كُرُباتِنا، اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ صلاةً تَكفِينا بها شرَّ أعدائِنا وسلِّمْ عليهِ وعلى ءالِهِ سلامًا كثيرًا.
أما بعدُ يا عبادَ الله أوصِي نفسيَ وأوصيكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيم القائل في كتابه الكريم: ﴿حُرِّمتْ عليكُم الميتةُ والدَّمُ ولَحْمُ الْخِنْـزيرِ ومَا أُهِلَّ لِغيرِ اللهِ بِهِ والْمُنْخَنِقَةُ والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَردِّيةُ والنَّطِيحَةُ وما أَكَلَ السَّبعُ إِلا مَا ذَكَّيتُمْ وما ذُبِحَ علَى النُّصبِ﴾ سورة البقرة.
ويقولُ الصادقُ المصدوقُ حبيبُنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: "منْ أكلَ طيِّبًا وعملَ بسنَّةٍ وأمِنَ النَّاسُ بوائِقَهُ دخلَ الجنةَ" رواهُ السيوطي.
لا شكَّ إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ أنَّ من عملَ بِهذا الحديثِ النبويِّ الشريفِ فقد فازَ فوزًا عظيمًا، وبدأَه صلى الله عليه وسلم بقولِه "من أكلَ طيِّبا" يعني من كانَ مطعمُه حَلالاً، فاكفِنا اللهمَّ بحلالِك عن حرامِك.
فاعلموا إخوةَ الإيمانِ، رحمكمُ اللهُ تعالى بتوفيقِه، أنَّ من الكبائرِ أكلَ المَيْتةِ وأكلَ لحمِ الخنزيرِ وكذا أكل اللحمِ المشكوكِ فيهِ هل هو مُذَكَّى ذكاةً شرعيَّةً أم لا. يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ العظيمِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ سورة المائدة.
فالميتةُ هي كلُّ ما زالت حياتُه منَ الحيوانِ بغيرِ ذكاةٍ شرعيةٍ، والذكاةُ الشرعيةُ هي أن يكونَ الذابحُ مسلِمًا أو كتابِيًّا وأن يذبحَ الذبيحةَ الحلالَ كالبقرِ والغنمِ ونحوِها بآلةٍ حادَّةٍ غيرِ الظُّفرِ والعظمِ، وأن يقطعَ مجرَى النفسِ ومجرى الطعامِ والشرابِ. اللحمُ أمرُه مشدَّدٌ في شرعِ اللهِ فلا يجوزُ أكلُه إلا أن يُعلمَ أنه ذُكِّيَ ذكاةً شرعيةً، فإِنْ شكَكْتَ فهو حرامٌ لا يجوزُ لك أكلُه.
فلا تدَعْ شهوةَ الطعامِ تدفعُكَ إلى الأكلِ من طعامٍ وُضِعَ فيهِ لحمٌ لا تدرِي من أينَ هو هل ذُكِّيَ ذكاةً شرعيةً أم لا. إن كنتَ في بيتٍ استضافَكَ أهلُه على الطعامِ أو في مطعمٍ أو في الطائرةِ إياكَ أن تأكلَ اللحمَ المشكوكَ فيه، أما إذا سألتَ فاطمأنَّ قلبُك أنه ذُكِّيَ ذكاةً شرعيةً يجوزُ لك أن تأكلَ، أما مع الشكِّ فلا يجوزُ. فالرسولُ صلى الله عليه وسلم أجابَ من سألَه عن طيرٍ رماهُ بسهمٍ فوقعَ في الماءِ ولا يدرِي السهمُ قتلَه أمِ الماءُ قالَ لهُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "هو حرامٌ عليكَ".
وأما حديثُ البخاريِّ عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أن قومًا قالُوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ قومًا يأتونَنا باللحمِ لا ندرِي أذَكَروا اسمَ اللهِ عليهِ أم لا، فقالَ: سمُّوا اللهَ عليهِ أنتم وكُلوه"، فالحديثُ وردَ في ذبيحةِ أناسٍ مسلمينَ قريبِي عهدٍ بكفرٍ (يعني أسلَموا من جديدٍ) وذلكَ لقولِ عائشةَ يا رسولَ اللهِ إنَّ أناسًا حديثِي عهدٍ بكفرٍ يأتونَنا بلُحمان لا ندرِي أذَكروا اسمَ اللهِ عليها أم لا، فقالَ: "سمُّوا اللهَ أنتم وكلوا"، معناهُ أنَّ هذهِ اللحومَ حلالٌ لأنَّها مذكاةٌ بأيدِي مسلمينَ ولو كانوا حديثِي عهدٍ بكفرٍ (يعني أسلموا من جديدٍ) ولا يضرُّكم أنكم لم تعلمُوا هل سمَّى أولئك عند ذبحِها أم لا، وسَمُّوا أنتم عندَ أكلِها أي ندبًا لأنَّ التسميةَ سنةٌ عندَ الذبحِ فإن تركَها الذابِحُ حلَّ الأكلُ منَ الذبيحةِ.
فاللحمُ لا يجوزُ الشروعُ في أكلِه معَ الشَّكِ في ذكاتِه كما نصَّ على ذلك الفقهاءُ كابنِ حجرٍ الهيتميِّ والسيوطيِّ وغيرِهم. وتحريمُ اللحمِ الذي لم يُعْلَمْ طريقُ حِلِّهِ بأنْ شُكَّ في ذلك مجمعٌ عليهِ. نرجِعُ إلى الحديثِ الذي ذكرناهُ "من أكلَ طيبًا وعملَ بسنَّة" أي وعملَ بشريعةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكيفَ يَعملُ إذا لم يتعلَّمْ؟! لذلكْ قالَ البخاريُّ في صحيحِه: "بابُ العلمِ قبلَ القولِ والعمل".
وقد قالَ النووِيُّ رحمهُ اللهُ: "إنَّ الاشتغالَ بالعلمِ أولى ما أُنفِقَتْ فيه نفائسُ الأوقاتِ". أي أفضلُ ما شُغِلَتْ بهِ الأوقاتُ الطيِّبة. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من أكل طيبا وعمل بسنةٍ وأمِنَ الناسُ بوائقَه دخل الجنة" وأمنَ الناسُ بوائقَه أي أمنَ الناسُ ظلمَ يدِه ولسانِه، وكما قالَ الرسولُ الأكرمُ: "المسلمُ من سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه" أي من صفاتِ المسلمِ الكاملِ أن يسلمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه. فإذا خلاصةُ الأمرِ أحبابَنا الكرام أنهُ ينبغِي التيقُّنُ قبلَ أكلِ اللحمِ أنهُ مذكى ذكاةً شرعيةً بأن يكونَ الذابحُ مسلمًا أو من أهلِ الكتابِ وأنَّ الذبيحةَ حلالٌ مثل بقرةٍ أو خروفٍ ونحوِ ذلك وأن يكونَ بقطعِ الحُلقومِ والمريءِ بواسطةِ ءالةٍ حادةٍ. فليسَ كلُّ لحمٍ في السوقِ أو في المعلَّباتِ حلالاً. فإذا تيقَّنْتَ أنهُ ليسَ حلالا أو شكَكْتَ فيه فلا تأكُلْ فلا خيرَ في لذةٍ من بعدِها النارُ. اللهم ارزُقْنا حسنَ الاقتداءِ برسولِ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ علَى محمدِ بنِ عبدِ اللهِ وعلَى ءالهِ وصحبِهِ ومنْ وَالاه. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ أوصيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في كتابِه الكريِم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ سورة الزمر.
فمنْ تعلمَّ ما أوجبَ اللهُ عليهِ من علمِ الدينِ ميزَ بينَ الحقِّ والباطلِ، ميزَ بينَ الحلالِ والحرامِ، ميزَ بينَ الكفرِ والإيمانِ، ولكنَّ مِن الناسِ بدلَ أنْ يُقبِلوا إلَى مجالسِ علمِ الدينِ أدْبرُوا عنهَا وتخبطُوا بالجهلِ والعياذُ باللهِ تعالى وانتشرتْ بينهُم عباراتٌ فاسدةٌ باطلةٌ كفريةٌ كقولِ بعضِ الناسِ "الجنةُ من دونِ ناسٍ مَا بتنداس" الجنةُ التي لا موتَ فيها ولا مرضَ ولا نكدَ ولا غمَّ ولا همَّ ولا نغصَ ولا ظلامَ ولا بولَ ولا غائطَ، الجنةُ التي لما أخبر عنها حبيبُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أقسمَ بربِّ الكعبةِ، أقسمَ باللهِ العظيمِ أنها نورٌ يتلألأُ وريحانةٌ تهتَزُّ إلى غيرِ ذلك مما أخبرَ عنه صلى الله عليه وسلم، كيف يقولونَ عنها إنَّها لا تُداس.
فاحذروا إخوةَ الإيمان من هذه العباراتِ الفاسدةِ وهي قولُ بعضِ الناسِ "الجنةُ من دون ناس ما بتنداس" واعلموا أن الكلامَ الذي فيه استخفافٌ بالجنةِ كفرٌ وخروجٌ عن دينِ الله.
وكذلك احذَروا من قولِ بعضِ الناسِ: "كل طويل لا يخلو من الهبل" والعياذُ باللهِ تعالى. من الأنبياءِ من كان طويلاً كسيدِنا ءادمَ وهود عليهما السلام. فتبينَ أن هذه الكلمةَ فاسدةٌ لا تُقال، لأن الطعنَ بالأنبياءِ ووصفَهم بالهبلِ ضلالٌ والعياذُ بالله.
إخوةَ الإيمان، ليس كلُّ كلامٍ يخطُر في بالِنا نتكلَّم به، وليسَ كلُّ كلامٍ نسمعُه من بعضِ الناسِ أو من التلفزيون مثلا نتكلمُ به، فليكُن ميزانُنا الشرع.
وزِنْ بحُكمِ الشرعِ كلَّ خاطرِ فإِنْ يكُنْ مأمورَه فبادِرِ
زِنِ الكلامَ بحكمِ الشرعِ قبل النطقِ به حتى لا تُورِّطَ نفسَك بكلمةٍ قد تكونُ سببًا لك بالهلاكِ والعياذُ باللهِ. وربُّنا تعالى يقولُ في القرءانِ الكريمِ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾.
واعلموا أن اللهَ أمرَكم بأمرٍ عظيمٍ أمرَكم بالصلاةِ على نبيِّه الكريمِ فقال: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ سورة الأحزاب. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيم وبارِك على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما باركت على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنكَ حميد مجيد، اللهمَّ اغفِرْ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُم والأمواتِ إنَّكَ سميعٌ مجيبُ الدَّعَوات عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكم لعلكم تذكَّرون. وَأقِمِ الصَّلاة.