مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
إنَ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونَستعينُهُ وَنَستهديهِ ونشكرُهُ وَنعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَ له ومَنْ يُضْللْ فلا هَادِيَ له, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا نِدَّ له جلَّ ربي لا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ سورة الشورى/11. وأشهدُ أن سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعينِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى اللهُ عليهِ وسلَّم وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ أُوصِي نفسِيَ وإياكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في محكمِ التنْزيل: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾.سورة القمر /1. ويقول عزَّ وجل أيضًا: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾ سورة النازعات/ 42 و 43 .
ولما جاءَ جبريلُ عليه السلامُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسألَه عن الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ وسألَه عنِ الساعةِ قالَ: "فأخبِرْنِي عنِ الساعةِ" فأجابَه صلى الله عليه وسلم بقولِه: "ما المسئولُ عنها بأعلمَ منَ السائلِ" فلا يعلمُ وقتَ قيامِ الساعةِ إلا اللهُ لا يعلمُ ذلك ملكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ.
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾ .سورة النازعات/ 42 و 43. قل إنَّما علمُها عندَ ربِّي. فلما سألَ جبريلُ عليه السلامُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الساعةِ فأجابَه: "ما المسئولُ عنها بأعلمَ منَ السائِلِ"، قال: فأخبِرْنِي عن أماراتِها- أي أخبِرْنِي عن علاماتِها.
فاعلَموا رحمَكم اللهُ أنَّ القيامةَ لا تقومُ حتى تحصُلَ علاماتُ الساعةِ الصُّغْرَى والكُبْرَى.
أما العلاماتُ الصُّغرى فمِنها ما أخبرَ الرسولُ عنها في الحديثِ الذي رواهُ مسلمٌ لما سألَه جبريلُ عن علاماتِها فقالَ: "أن تلِدَ الأمَةُ ربَّتَها- أي سيدَتَها- وأن ترَى الحفاةَ العُراةَ العالةَ (أي الفقراء) رِعاءَ الشاءِ يتطاوَلونَ في البُنيان" وهذا حصل. ومن علاماتِها زوالُ جبالٍ عن مراسِيها وكثرةُ الزلازلِ وكثرةُ الأمراضِ التي ما كان يعرِفُها الناسُ سابِقًا وكثرةُ الدجَّالِينَ وخُطَباءِ السوءِ وادِّعاءُ أناسٌ النبوةَ وتغيُّرُ أحوالِ الهواءِ في الصيفِ يصيرُ كأنَّهُ في الشِّتاءِ وفي الشتاءِ يصيرُ كأنه في الصيفِ وقلةُ العلمِ وكثرةُ الجهلِ أي الجهلُ بعلمِ الدينِ وهذا كلُّهُ حصل. وكثرةُ القتلِ والظلم وتقاربُ الزمانِ وتقارُبُ الأسواق، وتداعي الأممِ على أمةِ محمدٍ كتداعِيهم على قَصعةِ الطعامِ يحيطونَ بهم من كلِّ صوبٍ وهذا كلُّه حصلَ أيضًا. ومن علاماتِ الساعةِ أيضًا ما أخبر عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِه الذي قالَ فيه: "صنفانِ من أهلِ النارِ لم أرَهُما ـ أي سيأتون من بعدي ـ قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضرِبونَ بِها الناسَ" ثم قال: "ونساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ جميلاتٌ مائلاتٌ" أي أنهن يلبسنَ ثيابًا لا تسترُ جميعَ العورةِ وأنهن مائلاتٌ عن طاعةِ اللهِ ويُملنَ غيرَهن عن طاعةِ اللهِ أي فاجراتٌ يرمينَ الناسَ في الزِّنَى. ويرفَعْنَ رؤوسَهن ليُعجبَ بِهِنَّ الناسُ ويمشين مِشْيَةً خاصةً يُمَيَّزْنَ بِها عن غيرِهن وهذا حصلَ أيضًا.
وءاخرُ العلاماتِ الصغرى إخوةَ الإيمان ظهورُ المهديِّ عليهِ السلام، وهو وليٌ من أولياءِ اللهِ وليس نبيًا لأنهُ لا نبيَّ ينْزلُ عليه الوحيُ بالنبوةِ بعد نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تقومُ الساعةُ حتى يملكَ الناسَ رجلٌ من أهلِ بيتِي يواطئُ اسمُه اسمِي واسمُ أبيهِ اسمَ أبي فيملؤُها (أي الأرض) قسطا وعدلا". وفي لفظٍ "كما مُلِئَتْ ظُلمًا وجَوْرًا"، وهذه أكبرُ علامةٍ لظهورِ المهديِّ وهي أن تُملأَ الأرضُ ظُلمًا وجَورًا وقد مُلِئت، فالمهديُّ عليه السلام اسمُه محمدُ بنُ عبدِ الله وهو حسنيٌ أو حسينيٌ من ولدِ فاطمةَ رضي اللهُ عنها وقد وردَ في الأثرِ أنه يسيرُ معه في أولِ أمرِه ملكٌ ينادِي: "يا أيها الناسُ هذا خليفةُ اللهِ المهديُّ فاتَّبعوهُ" ويخرجُ معه ألفٌ من الملائكةِ يمدُّونَه وينتظرُه في مكةَ ثلاثُمائةٍ من الأولياءِ هم أولُ من يبايِعُه. وفي أيامِ المهديِّ تحصُلُ مجاعةٌ، والمؤمنُ الكاملُ في ذلك الوقتِ يشبُعُ بالتسبيحِ والتقديسِ أي بذكرِ اللهِ وتعظيمِه. أما أشراطُ الساعةِ الكُبرى فهي عشرةٌ وسنتكلمُ عنها في الأسبوعِ المقبلِ بإذنِ اللهِ ربِّ العالمين. هذا وأستغفرُ الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إنَ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونَستعينُهُ وَنَستهديهِ ونشكرُهُ وَنعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَ له ومَنْ يُضْللْ فلا هَادِيَ له, وصلى اللهُ وسلمَ على سيدِنا محمدٍ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه اللهُ بالهدى ودينِ الحقِّ.
أما بعد فيا عباد اللهِ اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون. يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريم: ﴿لم يلِدْ ولم يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد﴾.
ويقولُ تعالى في الحديثِ القدسيِّ: "شتَمني ابنُ ءادمَ ولم يكن له ذلك" وفسَّرَ ذلك بقولِه: "وأما شتمُه إيايَ فقولُه اتَّخذَ اللهُ ولدا".
فاليومَ إخوةَ الإيمانِ وكما جرت العادةُ أن نحذركم من عباراتٍ فاسدةٍ في الخطبةِ الثانيةِ نحذِّرُكم من قولِ بعضِ الناسِ والعياذُ باللهِ من الكفرِ "أختَ ربِّك" أو "ابن الله".
يقعُ الكفرُ هنا ولو لم يعتقِدْ أنَّ للهِ أختًا أو ابنًا.
يقعُ الكفرُ هنا ولو كانَ غاضِبًا.
يقع الكفرُ هنا ولو كان مازِحًا.
فبعضُ الناسِ والعياذُ باللهِ عند الغضبِ يتلفَّظُ بهذه العباراتِ يقولُ لولدِه يا ابن الله، وبعضُهم إذا راجعتَه قائلا هذا الكلامُ فاسدٌ أخرجَك عن دينِ اللهِ عليك بالرجوعِ إلى الاسلامِ بالنطقِ بالشهادتينِ يقولُ لك أنا لا أعتقدُ أن للهِ ابنًا يقولُ لكَ باللهجةِ العامِّيةِ (كلمة وطلعت) أو يقولُ كلام ما عليهِ جُمرك أو يقولُ شو بدكن تحاسبوني على كل كلمة؟ أو يقولُ ما إنتو اللي بتحاسبوني وإنما الله يحاسبني !! قل له لو لم تعتقِدْ أنَّ للهِ ابنًا خرَجْتَ عن دينِ اللهِ بدليلِ قولِه تعالى: ﴿يحلِفونَ باللهِ ما قالوا ولقد قالوا كلمةَ الكفرِ وكفروا بعد إسلامِهم﴾ سورة التوبة/74. وقال تعالى: ﴿ولئِنْ سألتَهم ليقولُنَّ إنما كنا نخوضُ ونلعبُ قُل أباللهِ وءاياتِه ورسولِه كنتم تستهزِئونَ لا تعتذِرُوا قد كفرتُم بعد إيمانِكم﴾.
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ لا يَرَى بِها بأسًا (يعني هُوّي ما شايف فيها شي) يهوِي بِها في النارِ سبعينَ خريفًا" أي يصلُ إلى قعرِ جهنَّمَ وهو خاصٌ بالكفارِ أي هذهِ الكلمةُ أخرجَتْه من الإسلامِ، أي هذه الكلمةُ اللي ما شايف فيها شي كفَّرَتْه. فنحنُ نبينُ له أنَّ اللهَ يحاسبُه عليها كما وردَ في الشرع.
وأودُّ إخوةَ الإيمانِ أن أذكِّرَ بأمرٍ سبق وتحدثنا عنهُ بخُطَبِنا الماضيةِ وهو لا تدَعِ الشيطانَ يدخُلُ عليكَ بوسوسةٍ شيطانيةٍ قائلاً لكَ، في هذا المصلى يُكثِرونَ من قولِ من قالَ كذا يكفُرُ ومن قال كذا خارجٌ عنِ الإسلام، ليُعلَمْ إخوةَ الإيمانِ بسببِ هذه الخطبِ يتشهدُ الكثيرُ لما سمِعوا الخطيبَ محذِّرًا من بعضِ العبارات، نعم تشهَّدَ الكثيرُ وانتفعَ الكثيرُ وتعلم الكثيرُ. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدِي اللهُ بكَ رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمرِ النَّعَمِ" وقالَ: "خيرٌ لك مما طلعت عليهِ الشمسُ أو غرَبت". وقالَ صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتنٌ كقطعِ الليلِ المظلِمِ يُصبِحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمسِي كافرا ويُمسِي مؤمِنا ويصبحُ كافِرًا يبيعُ دينَه بعرضٍ منَ الدنيا".
عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ .