Friday, 29 March 2024
A+ R A-

الحَثُّ على بِرِّ الوالِدَيْنِ والتَّحذيرُ من العُقُوقِ

Listen to the Friday Speech in English here: Urging Kind Treatment of Parents

إنَّ الحمدَ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديه ونستغفرُهُ ونشكرُهُ. ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا. مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضلِلْ فلا هادِىَ لهُ. اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ صلاةً تَقضِى بها حاجَاتِنا، وتفرِّّج بها كُرُباتِنا، وتكفينا بها شرَّ أعدائنا، وسلِّم عليه وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ تسليمًا كثيرًا . عبادَ الله، أُوَصِّيكم و نفسيَ بتقوَى الله العليِّ القدير، بالخوف مِن الجَليل والعَملِ بالتَّنزيلِ والاستعدادِ ليوم الرحيل.

إخوةَ الإيمان، يقول ربنا تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾ ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾ أي أمر الله عباده أمرًا مقطوعًا به بأن لا يعبدوا إلا إياه ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ ﴾ أي وأمر بالإحسان للوالدين. والإحسان هو البِرُّ والإكرامُ. وقد روى مسلم عن عبد الله بن مسعود أنه سأل النبىَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ – أي بعد الإيمان بالله ورسوله - قَالَ الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا. قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ اهـ

وروى مسلم عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال: ‏"‏رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ‏"‏.‏‏ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ‏"‏مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ."‏ "رَغِمَ أَنْف" قَالَ أَهْل اللُّغَة مَعْنَاهُ ذَلَّ. وَأَصْله لَصْق أَنْفه بِالرِّغَامِ وَهُوَ تُرَاب مُخْتَلِطٌ بِرَمْلٍ. والمعنى أَنَّ بِرَّ الوالدين عِنْد كِبَرِهمَا وَضَعْفِهمَا بِالخِدْمَةِ أَو النَّفَقَة أَو غَيرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّة والفوزِ في الآخرة. فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فقد خسِر خسارةً كبيرة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: رضا اللهِ في رضا الوالدينِ وسَخَطُهُ فى سَخَطِهِما اهـ رواه الحاكم وغيره. فَبِرُّ الوالدين إخوةَ الإيمان فوزٌ كبير في الدنيا والآخرة، وعقوقُهما خسرانٌ مبينٌ، بل هو من أكبر الكبائر كما جاء في الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وروى البيهقيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة أي مع الأَوَّلِين أي لسَبق العذابِ لهم إن لم يعفُ الله عنهم وعدَّ منهم "العاقَّ لوالديه".

والعقوق أيها الأحبة ضابطُه كما قال بعض العلماء: هو ما يتأذَّى به الوالِدان أو أحدُهما تأذِّيًا ليس بالهيِّن فى العُرف أي في عُرف الناس، كالشتم ونحِوه. بل نصَّ بعضُهُمْ أنه يجب على الولد أن يطيع والدَيه في كل أمر يحصل لهما غمٌّ بسببِ تركه له أي مما ليس فيه معصية.وأما ما لا يحصل لهما غمٌّ بسبب تركه فلا يجب عليه طاعتهما فيه.

فلو طلب أحدُ الوالدين من ولده شيئًا مباحًا كترتيب المكان أو غسل الصحون أو تسخين الطعام أو عمل الشاي وما أشبه ذلك وكان يغتمُّ قلبُهُ إن لم يُطِعْهُ في ذلك حَرُمَ على الولد أن لا يفعل. أما إن كان لا يتأذَّى بامتناعه، فمجرد ذلك ليس حرامًا. لكن من البِرِّ طاعتُهُما فى كلّ ما لا معصيةَ فيه. بل بِرُّ الوالدين مُقَدَّمٌ على كثيرٍ من النوافل.

وبابُ البر إخوةَ الإيمانِ واسعٌ يدخل فيه التواضعُ لهما والدعاءُ لهما. قال تعالى: ﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾ أي أَلِنْ لهما جانبَكَ متواضعًا متذلّلًا لهما من فرط رحمتك إياهما وعطفك عليهما، وارفق بهما، وادعُ لهما بأن يرحمهما الله كرحمتهما لك صغيرًا عندما كنت محتاجًا لهما.

ومن البر أيضًا أيها الأحبة تركُ كلِّ ما يزعجهما. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تنفُضْ ثوبَكَ فيصيبَهُما الغُبارُ." وقال عروة: "لا تمتنع عن شىء أحبَّاه". ويدخل فيه أيضًا الإحسانُ إليهما بالمالِ والخدمةِ والزيارةِ، بل حتى بزيارة مَن يحبون.

وحتى بعد موت الوالد، فإن الشخص يُثاب بزيارة مَنْ كان الوالد يَوَدُّهم. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ مِن أَبَرّ البِرّ أَنْ يَبَرَّ الرَّجُلُ أهلَ وُدِّ أَبِيهِ بعد أن يُوَلِّي اهـ أي بعد أن يموت.

أيها الأحبة، لقد بالغ الشرع في التوصية بالوالدَين، وأمر باستعمال جانب اللين واللطف عند مخاطبتهما، ونهى عن إيذائهما. بل لم يرخِّص في أدنى كلمة من كلمات التضجر كقول أُفٍّ لهما. فقال عَزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣﴾. فإذا كان من العقوق أن يقولَ الولدُ لأحد والديه إذا طلب منه شيئًا أُفٍّ تضجُّرًا منه، فكيف بما زاد على ذلك. كيف بمن يشتُِم والدَيه أو يضربُهما؟ نعوذ بالله من ذلك.

ويلٌ للعاقِّ ثم ويلٌ له. فقد روى الحاكم في المستدرَك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ الذنوبِ يؤَخِّر اللهُ منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوقَ الوالدين فإنه يعجِّل لصاحبه. اهـ يعنى العقوبة في الدنيا.

فالحذرَ الحذر إخوة الإيمان من العقوق. واللهَ اللهَ بِبِرِّ الوالدين. فإن في ذلك النجاحَ والفلاحَ في الدنيا والآخرة ،وبركةً في الدنيا وفي الآخرة، وسببًا للرزق ولتيسير الأمور، وسببًا للفتوح ونيل الأجر والدرجات.

اللهم إنا نسألك أن تجعلَنا من أبَرِّ الناس بوالدِينا، ومِن أتقاهم ومِن أحسنهم خلقًا، بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين. أقول قولى هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. عباد الله اتقوا الله. وإنَّ ممَّا يَنفَعُ الميتَ بَعدَ مَوتِه الاستِغفارَ لهُ بأن يقولَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لفُلان. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِى الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِى هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ." رواه أحمدُ

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ الِاسْتِغْفَارِ لِلأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِى الْعُمُرِ مَرَّةً. ثُمَّ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ. وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْتِغْفَارُ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا. ومَن كانَ لا يَعرفُ أنَّ الاستِغفَارَ للوالِدَين فى العُمُرِ مَرّةً فَرضٌ واستَغفَرَ لهما، فبَعدَ أن تَعلَّم لا يُشتَرَطُ ولا يجبُ علَيه أن يَستَغفِرَ لهما بنِيّة الفَرض.

ربِّ اغفِرْ لِى ولِوَالِدَىَّ، رَبِّ ارحَمْهما كما رَبَّيَانِى صَغِيرًا. اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.

الجمعة مسجد عمر ١٦ جُمادَى الآخرة ١٤٤٢ هـ - ٢٩ ك٢ ٢٠٢١ر


Loading...

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation