Tuesday, 19 March 2024
A+ R A-

بِرُّ الوالِدَيْنِ

Listen to the Friday Speech in English here: Dutifulness to Parents

إنَّ الحمدَ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديه ونستغفرُهُ ونشكرُهُ. ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا. مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضلِلْ فلا هادِىَ لهُ. اللهم صلِّ وسلِّم على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ تسليمًا كثيرًا .
عبادَ الله، أُوَصِّيكم و نفسيَ بتقوَى الله العليِّ القدير القائل في القرءان الكريم: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾
لقد أمر الله عباده أمرًا مقطوعًا به بأن لا يعبدوا إلا إياه وأمر بالإحسان للوالدين. ويكون الإحسان إليهما ببرِّهما وإكرامِهما. حتى قال ابن عباس رضى الله عنهما: "لا تنفُضْ ثوبَكَ فيصيبَهُما الغُبارُ." ويُسنُّ طاعتُهما فى كل شىء إلا فى معصية الله، بل فى المكروهات مطلوبة. فتكون رِفعةَ درجةٍ عند الله. فإذا أمر أحد الوالدَين ولدَه بفعل مباح أو ترْكِه، سُنَّ له أن يطيعَه فى ذلك الأمر، إلا إن كان يغتمُّ قلبُ الوالد أو الوالدة إن خالفهما ويشتدُّ ضِيقُه. فعندئذ يصير واجبا عليه أن يطيعَهما فى ذلك. وقد قال ﷺ: رِضَا اللهِ فى رِضَا الوالدَينِ، وسَخَطُهُ فى سَخَطِهِما. اهـ رواه الحاكم والطبرانىّ والبيهقىّ فى شُعبه.
ومما يوضِح عُظم درجة بِر الوالدين ما رواه الحاكم فى الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: أعظمُ الناس حقًّا على المرأة زوجُها، وأعظم الناس حقًّا على الرجل أمُّه.اهـ.
وعن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضِىَ الله عنهم قال: قلت يا رسول الله مَنْ أَبَرُّ؟ قال: أمَّك. قلت ثم من؟ قال: أمَّك. قلت ثم من؟ قال: أمَّك. قلت ثم من: قال: أباك ثم الأقربَ فالأقربَ. اهـ أخرجه أبو داود والترمذىّ وحسَّنه. فيُفهم من الحديث تقديمُ الأم على الأب فى البِر. وإنما خَصَّ الشرعُ الأمَّ بهذا لعنائها وشفقتها مع ما تقاسيه مِن حَمْل وطلْق ووِلادة ورَضاعة وسهَر ليلٍ.
وقد رأى عبدُ الله بن عمر رضِىَ الله عنهما رجلا يحمل أمَّه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة. فقال: يا ابن عمر أترانى وفَّيتُها حقَّها؟ قال: ولا بطلْقة واحدة من طلَقاتها. ولكن قد أحسنتَ. والله يثيبُك على القليل كثيرًا. اهـ
إخوة الإيمان، إن من القصص التى تدل على عظم بر الأم أيضا أن رجلا من الصالحين يعرف ببلالٍ الخَوَّاص قال: كنت فى تيه بنى إسراءيل فوجدت رجلا يماشينى. فأُلهمت أنه الخَضِرُ. فسألته عن مالك بن أنس فقال: هو إمام الأئمة. ثم سألته عن الشافعى فقال: هو من الأوتاد. ثم سألته عن أحمد بن حنبل فقال: هو صِدّيق. فسألته عن بشرٍ الحافِى قال: ذاك لم يخلف مثله بعده. فقلت أسألك بحق الحق (الله) من أنت؟ فقال الخضر. فقلت له ما هى الوسيلة التى رأيتك بها؟ فقال ببِرِّكَ لأمِّك. اهـ أى أن الفضيلة التى جعلته أهلا لرؤية الخضر هى كونه بارَّا بأمه.
﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ... ٢٣﴾ نهَى الله عن قول أفّ للوالدين لما فيه من الإيذاء لهما. فلو طلبا منه شيئًا ليفعله مثلا فقال لهما أف فقد وقع فى كبيرة. وصار مستحقا للعقاب فى الدنيا قبل الآخرة. فقد روى الحاكم بإسناد صحيح أن رسول الله ﷺ قال: كلُّ الذنوبِ يؤَخِّر اللهُ منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوقَ الوالدين فإنه يعجِّل لصاحبه. اهـ فانظروا معى إلى عُظم حق الوالدين على ولدهما. وأما امتناعه فقط من غير قول أف، فإن كان يغتم قلبهما بذلك كان معصية، وإلا فلا.
﴿وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا ... ٢٣﴾ أى لا تزجرهما عما يتعاطيانه مما يزعجك أى لا تكلمهما بطريقة مؤذية تجرحهما ليتركا بعض الأشياء غير المحرمة التى يفعلانها مما لا تميل إليه. بل أمرنا الله بأن نحسّن لهما الكلام ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣﴾ أى ليّنًا لطيفًا مِن أحسنِ ما تجد.
فالله أمرنا أن نستعملَ مع الوالدين لينَ الخلق وبالغ سبحانه بالتوصية بهما والأمر بالإحسان إليهما فقال: ﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ... ٢٤﴾ أى أَلِنْ لهما جانبَكَ متواضعًا متذلّلًا لهما من فرط رحمتك إياهما وعطفك عليهما. ولكبرهما وافتقارِهما اليومَ إلى مَن كان أفقرَ خلق الله إليهما بالأمس.
واعلم أخى المسلم أنّ من بِر الوالدين أن يبرَّ الشخص بعد وفاة أبيه مَن كان أبوه يحبه بالزيارة والإحسان. كذلك بعد وفاة الأم من كانت تحبه بأن يصلهم ويحسن إليهم ويزورهم. فقد روى مسلم أن رسول الله ﷺ قال: إنَّ مِن أَبَرّ البِرّ أَنْ يَبَرَّ الرَّجُلُ أهلَ وُدِّ أَبِيهِ بعد أن يُوَلِّي اهـ أى بعد موته. ومن بر الوالدين زيارتهما بعد موتهما.
وقد أمرنا الله بأن نسأل لهما الرحمة ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾ أى مثل رحمتهما إيّاىَ فى صِغَرِى حتى ربّيانى. فقد أوصانا رب العزة أن لا نكتفىَ برحمتنا نحن لوالدينا الرحمةَ التى لا بقاء لها، بل أن ندعوَ الله الرحيم الكريم بأن يرحمَهما الرحمةَ الباقية، وأن يجعل الله ذلك جزاءً لرحمتهما علينا فى صغرنا وتربيتهما لنا. والدعاء مختص بالأبوين المسلمَين لا اللذَين ماتا على غير الإسلام كما هو ظاهر.
اللهم إنا نسألك أن تجعلَنا من أبَرِّ الناس بوالدِينا، ومِن أحسنهم خلقًا.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. عباد الله اتقوا الله.
فبَعد ما ذُكر من فضل بر الوالدين أىُّ عاقل يعدِل عن بِرهم إلى عقوقهم؟ فإن وجدتَ من نفسك خيرا وحرصا على أن تبرَّ والديك وتطيعَهما مرضاة لله، فاحمدِ الله واثبت عليه وازدَد منه. وإن وجدتَ غيرَ ذلك فاتق الله وأصلِح مِن حالك قبل فوات الأوان وقبل أن تندم عندما لا ينفع الندم.
ربِّ اغفِرْ لِى ولِوَالِدَىَّ، رَبِّ ارحَمْهما كما رَبَّيَانِى صَغِيرًا.
اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ.


الجمعة مسجد عمر ٢٥ جُمادَى الآخرة ١٤٤٣ هـ - ٢٨ ك٢ ٢٠٢٢ر


Loading...

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation