Saturday, 20 April 2024
A+ R A-

الحِكْمَة: حكمة أولياء الله رَضِىَ الله عَنهم - جزء 2

الحمد‏ لله العزيز الحكيم* والصلاة والسلام على نبيّـِه محمدٍ‏ الكريم‏* وعلى ءاله وصحبه‏ ذَوِى القلب السليم* وبعد عباد الله اتقوا اللهَ‏. قال تعالى‏: ﴿ يَــأيُّـهَا‎ الذّينَ‎ ءَامـَنـُوا‎ اتـَّـقـُوا‎ اللهَ حَقَّ‎ تُقَاتِهِ‎ وَلاتمُوتُنَّ‎ إِلَّا وَأنْتُمْ‎ مُسْلِمُونَ‎ ‏﴾ (ءال عمران، ‏١٠٢).

ثم إنا ذكرنا فى الخطبة السابقة أن هناك سورةً فى القرءان تسمى سورة لقمان (رقم ٣١). ولقمان كان نوبيا أسودَ عاش ألف سنة‏. وكان قاضيا فى بنى‏ إسرائيل زمن سيدنا داود عليه السلام. وأنه كان وليا ولم‏ يكن نبيا‏. قال تعالى: ﴿ ‏وَلَقَدْ‏ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ‏ الْحِكْمَةَ‏ أَنِ‏ اشْكُرْ‏ لله ﴾ (لقمان ١٢‏) والحكمة هى الصواب فى المعتقدات، والفقه فى الدين، والعقل‏.

Click to listen to this Friday speech in English: Hikmah of Luqman - Part 2

والآن حينُ الشروع فى ذكر وعظ لقمان لابنه كما فى القرءان:

‏قال عَزَّ وجلَّ: ﴿وَإذْ‏ قَالَ‏ لُقْمَانُ‏ لِابْنِهِ‏ وَهُوَ‏ يَعِظُهُ‏[1] يَا بُنَىَّ‏ لا تُشْرِكْ‏ باللَّه إنَّ‏ الشّـِرْكَ‏ لَظُلْمٌ‏ عَظِيمٌ‏﴾ ١٣. ذكر القشيرىُّ أن ابنَ لقمان وامرأتَه كانا كافرَين فما زال‏ يعظُهما حتى أسلما‏. وفى صحيح مسلم وغيرِه عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال‎:‏ لمَّا نزلت‏ ﴿ الَّذِينَ ءامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ (الأنعام ‏٨٢) شَقَّ ذلك على أصحاب رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم وقالوا‎:‏ أيُّنا لا‏ يظلم نفسه؟ (حملوا الظلم على عمومه وهو وضْع الشىء فى غير موضعه وهو مخالفة الشرع) فقال رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم:‏ ”ليس هو كما تظنون‏. إنما هو كما قال لقمان لابنه‎:‏ يَا بُنَىَّ‏ لا تُشْرِكْ‏ بالله إنَّ‏ الشّـِرْكَ‏ لَظُلْمٌ‏ عَظِيمٌ‏.“ فأعلمهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بأن الظلم هنا مقيد الذى هو الشرك وهو أظلم الظلم.

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإنسَانَ‏ بِوَالِدَيْهِ‏ حَمَلَتْهُ‏ أُمُّهُ‏ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ‏ وَفِصَالُهُ‏ فى عَامَيْنِ‏ أَنِ‏ اشْكُرْ‏ لِى وَلِوَالِدَيْكَ‏ إلَىَّ‏ الْمَصِيرُ‏* ‏﴾[2] ١٤ أى‏ حملته فى بطنها وهى تزداد كل‏ يوم ضعفا على ضعف‏‏. وفطامه فى انقضاء عامين. والمعنى‎:‏ قلنا له أن اشكر لى ولوالديك‏. قيل‎:‏ الشكر لله على نعمة الإيمان،‏ وللوالدَين على نعمة التربية‏. وقال سفيان بن عيينة‎:‏ من صلَّى الصلوات الخمسَ فقد شكر اللهَ تعالى،‏ ومن دعا لوالديه فى أدبار الصلوات فقد شكرهما‏.

وإن صعوبةَ الحمل وصعوبةَ الوضع وصعوبةَ الرضاع والتربية تنفرد بها الأمُّ دون الأب. فهذه ثلاثة منازلَ يخلو منها الأب. فحصل لها بذلك ثلاث مراتب،‏ وللأب واحدة. وأشبهَ ذلك فى الصحيحين حين قال رجل للرسول‏ صلى الله عليه وسلم: من أحقُّ الناس بحُسْن صَحابَتى؟ قال‎:‏ (أمُّك‏). قال ثم مَن؟ قال‎:‏ (أمُّك‏). قال ثم مَن؟ قال‎:‏ (أمُّك‏). قال ثم مَن؟ قال‎:‏ (أبوك‏). فجعل له الرُّبُع من المَبَرَّة كما فى هذه الآية.

﴿ وَإن جَاهَدَاكَ‏ عَلى أَن تُشْرِكَ‏ بِى مَا لَيْسَ‏ لَكَ‏ بِهِ‏ عِلْمٌ‏ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ‏ سَبِيلَ‏ مَنْ‏ أَنَابَ‏ إلَىَّ‏ ثُمَّ‏ إلَىَّ‏ مَرْجِعُكُمْ‏ فَأُنَبّـِئُكُم بِمَا كُنتُمْ‏ تَعْمَلُونَ‏* ﴾ ١٥ وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى فى ركوب كبيرة ولا فى ترك فريضة على الأعيان.‏ والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا فى شأن سعد بن أبى‏ وقَّاص[3]‏ رضى الله عنه، وعليه جماعة المفسرين‏.

﴿ وَصَاحِبْهُمَا فى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ وصاحبْهما فى الدنيا مصاحَبًا معروفا‏ أى مصاحبةً حسَنةً‏. والآية دليل على صلة الأبوين الكافرَين بما أمكَن من المال إن كانا فقيرين،‏ وإلانةِ القول والدعاءِ إلى الإسلام برفق‏. وقد قالت أسماءُ بنت أبى‏ بكر الصديق للنَّبىّ عليه الصلاة والسلام:‏ يا رسولَ الله،‏ إن أمّىَ‏ [كانت مشركة] قدمت علَىَّ‏ وهى راغبة أفَأَصِلُها؟ قال‎:‏ (نعم‏). والظاهر أنها راغبةٌ فى الصلة لا الإسلام،‏ وما كانت لِتَقدمَ على أسماء لولا حاجتها‏. ووالدةُ أسماءَ هى قُتَيْلَةُ بنتُ عبد العزَّى‏. وأمُّ عائشةَ وعبدِ الرحمن هى أمُّ رُومان قديمةُ الإسلام‏.

﴿ وَاتَّبِعْ‏ سَبِيلَ‏ مَنْ‏ أَنَابَ‏ إلَىَّ‏ ﴾ واتَّبع سبيلَ من رَجَع إلىَّ من الأنبياء والصالحين.‏

﴿ ثُمَّ‏ إلَىَّ‏ مَرْجِعُكُمْ‏ فَأُنَبّـِئُكُم بِمَا كُنتُمْ‏ تَعْمَلُونَ‏* ﴾ ثم توعَّدَ عزَّ وجلَّ بِبَعث مَن فى القبور والرجوعِ إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرِها‏.

أقول قولى هذا وأستغفر اللهَ‏ لى ولكم‏.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد عباد الله اتقوا الله.

﴿ يَا بُنَىَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَوَاتِ أَوْ فِى الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* ﴾[4] ١٦. هذا القولُ من لقمان إنما قصَد به إعلامَ ابنِه بقَدْرِ قدرة الله تعالى‏. معنى الكلام المبالغةُ والانتهاءُ فى التفهيم؛ أى‏ أن قدرتَه تعالى تنالُ ما‏ يكون فى تضاعيف صخرة وما‏ يكون فى السماء والأرض‏. أى‏ لو كان للإنسان رزقٌ مثقالَ حّبة خردل فى هذه المواضع جاء اللهُ بها حتى‏ يسوقَها إلى من هى رِزقُه؛ أى‏ لا تهتمَّ للرزق حتى تشتغلَ به عن أداء الفرائض،‏ وعن اتّـِباع سبيلِ من أنابَ إلَىَّ‏. ومن هذا المعنى قولُ النبىّ‏ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضى الله عنه‎:‏ لا تُكثرْ همَّك ما‏ يُقدَّرُ‏ يكونُ وما تُرزقُ‏ يأتيك‏.“[5]وقد نطَقَت هذه الآيةُ بأنه تعالى قد أحاط بكلّ شىء علمًا،‏ وأحصى كلَّ شىء عددًا‏.

وقيل‎:‏ المعنى‏ إن تك الحسنةُ أو الخطيئةُ مثقالَ حبة‏ يأت بها الله؛ أى‏ لا يفوت الإنسانَ المقدَّرُ وقوعُها منه‏. وبهذا المعنى‏ يتحصل فى الموعظة ترجيةٌ وتخويفٌ مضافٌ ذلك إلى تبيينِ قدرتِه تعالى‏.[6] وليس فى‏ القول الأول ترجيةٌ ولا تخويف‏ٌ.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات‏.

خطبة الجمعة فيلادلفيا ١٦ شوال ١٤٣٤ هـ * ٢٣ ءاب ٢٠١٣ ر


[1] فى لسان العرب: الوَعْظُ والعظة والمَوعظة: النُّصح والتذكيرُ بالعواقب. وهو تذكيرك الإنسانَ بما يُلَـيّــِن قلبَه من ثواب وعقاب.

preach (tr): to urge, advise, or caution earnestly; admonish urgently. (intr) to give urgent advice, recommendations, or warnings.

[2] It means: “And We have enjoined on man (to be dutiful and good) to his parents. His mother bore him in weakness and hardship upon weakness and hardship, and his weaning is in two years - give thanks to Me and to your parents. To Me is the final destination/return.”

[3]‏ الآيتان‏: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حْسنا وإن جاهداك لتُشركَ بى‏ ما ليس لك به علمٌ فلا تطعْهما إلىَّ مرجعُكم فأنبئُكم بما كنتم تعملون* والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لندخلَنَّهم فى الصالحين‏﴾ ٨-٩ العنكبوت‏. نزلت فى سعد بن أبى‏ وقاص فيما روى الترمذىّ قال‎:‏ أُنزلت فىّ‏ أربعُ آيات فذكر قصة (انظر القصة فى باب فضائل سعد فى شرح مسلم)‏. فقالت أم سعد‎:‏ أليس قد أمر الله بالبر‏. واللهِ لا أَطعَم طعامًا ولا أَشرَب شرابًا حتى أموتَ أو تكفرَ‏. قال‎:‏ فكانوا إذا أرادوا أن‏ يطعموها شجَروا فاها فنزلت هذه الآية‎. قال الترمذى‎:‏ هذا حديث حسن صحيح‏. وروى عن سعد أنه قال‎:‏ كنت بارًّا بأمّى‏ فأسلمتُ‏ فقالت‎:‏ لَتَدَعَنَّ دينَكَ أو لا ءاكلَ ولا أشربَ حتى أموت‏ فتُعَّيرَ بى‏ ويقال‏َ يا قاتلَ أمّـِه‏. وبقيتُ‏ يومًا ويوما فقلت‎:‏ يا أمَّاه لو كانت لك مائةُ نفس فخرجَت نفْسًا نفْسًا ما تركتُ دينى‏ هذا‏. فإن شئتِ فكُلى وإن شئتِ فلا تأكُلى. فلما رأت ذلك أكلَت ونزلَت‎:‏ ﴿ وإن جاهداك لتشركَ بى‏ ما ليس لك به علم فلا تطعهما‏ ﴾ الآية.

[4]O my son (said Luqman), if there be (but) the weight of a mustard seed and it were (hidden) in a rock, or (anywhere) in the heavens or on Earth, God will bring it forth: for God knows everything very well.

[5] رواه ابن عبد البر فى كتاب بهجة المجالس بلفظ قريب. وفى كنز العمال: “لا تُكْثِرْ هَمَّكَ. ما يُقَدَّرْ يكنْ، وما تُرزَقْ يَأتِكَ.” رواه ابن حبان عن مالك بن عبادة والبيهقى فى القدر عن ابن مسعود.

[6] ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ* ﴾

Share this post

Submit to DiggSubmit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to StumbleuponSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

Search our site

Listen to the Qur'an

Click

كيف يدخل غير المسلم في الإسلام

يَدخل غيرُ المسلم في الإسلام بالإيمان بمعنى الشهادتين وقولِهِما سامعًا نفسَه بأيّ لغةٍ يُحسنها.

وإن أراد قولَهما بالعربية فهما:

أَشْهَدُ أَنْ لا إلَـهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله

وَهَذا هو التسجيل الصوتي للشهادتين اضغط

A.I.C.P. The Voice of Moderation