اَلعَاشـرُ مِن مُحرَّم
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا أَعضاءَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ ولا مكانَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإنِّي أُوصيكُمْ ونفسِيَ بتَقْوَى اللهِ العظيمِ والثباتِ على نهجِ قرءانِه الكريم والعملِ بشريعتِه السمحاءِ بهذا يكونُ النجاةُ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، النجاةُ يومَ الدين تكونُ بحسنِ الختام، دخولُ جناتِ النعيمِ يكونُ لمن خُتِمَ له الخاتمةُ الحسنةُ. روى الإمامُ مسلمٌ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: قدمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ المنورةَ فوجدَ بعضَ الناسِ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فسُئِلوا عن ذلكَ، فقالوا: هذا اليومُ أظهرَ اللهُ فيه موسى وبني إسرائيلَ على فرعونَ فنحنُ نصومُه تعظيماً له. فَأَمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بصومِه، كما نُذكِّرُكم بصيامِ تاسوعاءَ وعاشوراءَ اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
هو الأمرُ أيها الأحبةُ المسلمونَ كما روى البخاريُّ حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلات دينُهم واحدٌ وأمهاتُهم شتى وأنا أولى الناسِ بعيسى بنِ مريمَ ليسَ بينِي وبينَه نبيٌ". الأنبياءُ هم إخوةٌ لعلات كما شبَّهَهُمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والإخوةُ لعلات هم الذينَ أبوهُم واحدٌ وأمهاتُهم متعدِّداتٌ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم شبَّهَ الأنبياءَ بالإخوةِ لعلات من حيثُ أنَّ الأنبياءَ دينُهم واحدٌ عقيدتُهم واحدةٌ جاؤوا بالإسلامِ دينِ اللهِ تعالى الذي ارتضاهُ اللهُ لعباده، وشرائعُهم متعددةٌ كما أن الإخوةَ لعلاتٍ أمهاتهُم متعددةٌ، ثم قالَ: "وأنا أولى الناسِ بعيسى بنِ مريمَ ليس بينِي وبينَه نبيٌ".
إخوة الإيمان إنَّ موسى عليه السلام لما دعا فرعونَ إلى الإسلام وأيَّده بذلكَ ربُّه وكان معه أخوهُ هارونُ عليه السلام قالَ لهما: ﴿اذهبا إلى فرعونَ إنهُ طغَى فقُولا له قولاً ليِّناً لعلّه يَذّكَّرُ أو يخشى﴾. ولكن فرعونَ لم يؤمنْ باللهِ ربّاً ولا بمُوسى نبيّاً رسولاً ولا بالإسلامِ ديناً بل كانَ يقولُ: ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري، بل كانَ يقولُ: أنا ربُّكمُ الأعلى. طغَى وتجبَّرَ وكفرَ ولكنَّ الله تعالى قصمَ ظهورَ الجبابرةِ بالموت، فما الذي حصلَ، دخلَ موسى بنُ عمرانَ البحرَ وضربَ بِعَصاهُ البحرَ فاجتمعت مياهُ البحرِ كالطَّودِ كَالجبلِ العظيمِ وبينهُما أرضٌ يابسةٌ وكان مع سيدِنا موسى عليه السلامُ ستُّمائةِ ألفٍ منَ المسلمينَ فلما لَحِقَ فرعونُ وجنودُه الكافرونَ بموسى وكانوا ألفَ ألفٍ وستَّمائِةِ ألفٍ كانوا مليونَ رجلٍ وستَّمائةِ ألفٍ، وجدَ أرضاً يبَساً بينَ جبلَيْنِ من المياهِ فدخلَ اليبسَ فأمرَ اللهُ البحرَ أن يلتَطِمَ عليه فالتطمت عليهِ أمواجُ البحرِ فأغرقَ اللهُ فرعونَ والذين معهُ، أهلكَهُ اللهُ غرقاً، فقالَ جماعتُه : فرعونُ لم يَمُتْ غرَقاً. فأظهرَه اللهُ لهم على وجهِ البحرِ وقد انتفَخَ وهو ميتٌ، وقبل أن يُدرِكَه الغرقُ قال: ءامنتُ بالذي ءامنت بهِ بنو إسرائيلَ وأنا منَ المسلمين، ولكنَّهُ لم يقلْها عن طواعيةٍ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ءآلئنَ وقد عصيتَ قبل﴾ سورة يونس/91. قالَ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءانِ الكريمِ: ﴿وإذ فرَقنا بكُمُ البحرَ فأنجيناكُم وأغرَقْنا ءالَ فرعونَ وأنتم تنظُرُون﴾ سورة البقرة/50. ذلكَ اليوم كان يومَ عاشوراء.
وفي مثلِ هذا اليومِ أيضاً تابَ اللهُ على نبيِّهِ ءادمَ عليه السلام، كان ءادمُ عليه السلامُ قد نهاهُ اللهُ عن أن يأكلَ من الشجرةِ فأكلَ منها فعصى ءادمُ ربَّه ولكنها ليست كُفراً وليست بمرتبةِ الزِّنا وليست بمرتبةِ شربِ الخمرِ، هي معصيةٌ صغيرةٌ ما فيها خسةٌ ودناءةٌ، ثم تابَ إلى اللهِ تبارك وتعالى، قالَ اللهُ عزَّ وجل: ﴿فتلَقَّى ءادمَ من ربِّه كلماتٍ فتابَ عليهِ إنهُ هو التَّوَّابُ الرَّحيم﴾ سورة البقرة/37. لما أكلَ ءادمُ عليه السلام من الشجرةِ أهبطَهُ اللهُ إلى الأرضِ وكذلك حواء، أما إبليسُ اللعينُ الذي أمرَهُ اللهُ أن يسجُدَ لآدمَ سجودَ تحيةٍ وتعظيمٍ رفضَ وأبَى واستَكبَر، اعترضَ على أمرِ اللهِ قالَ: أنا خيرٌ منه خلقتَني من نارٍ وخلقتَهُ من طين. فطردَ اللهُ إبليسَ من الجنةِ قال: ﴿ثم جعلنا له جهنَّمَ يصلاها مذموماً مدحُوراً﴾ سورة الاسراء/18. وقالَ تعالى: ﴿لأملأنَّ جهنَّمَ منك وممَّن تَبِعكَ منهم أجمعين﴾ سورة ص/85. فأهبطَ اللهُ ءادمَ وحواءَ إلى الأرضِ ولم يُطردَا منْ رحمةِ اللهِ ولا من الجنةِ أما إبليسُ اللعينُ هو المطرودُ من رحمةِ اللهِ تبارك وتعالى. وورَدَ في الحديثِ أن ءادمَ عليه السلامُ لما أكلَ من الشجرةِ رفعَ رأسَه إلى قوائِمِ العرشِ، لما أكلَ ءادمُ من الشجرةِ قالَ: يا رب أسألُكَ بحقِّ محمدٍ إلا ما غفرتَ لي. قال: وكيفَ عرفتَ محمداً ولم أخلقْه. قال: رفعتُ رأسي إلى قوائِمِ العرشِ فوجدتُ مكتوباً: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فعرفتُ أنك لم تُضِفْ إلى اسمِك إلا أحبَّ الخلقِ إليك. بهذا الحديثِ يُستدلُّ على التوسُّلِ ومشروعيَّتِه رغمَ أنفِ المشبِّهَةِ المجسِّمَةِ نُفاةِ التوسُّلِ. فإذاً في هذا اليومِ يومِ العاشرِ من محرم تابَ اللهُ على ءادمَ، أنجى اللهُ موسى وأهلكَ فرعونَ غرقاً وفيهِ نَجَّى اللهُ سفينةَ نوحٍ من الغرقِ، نوحٌ عليه السلامُ ظلَّ في قومِه كما ذكرَ اللهُ في القرءانِ لبِثَ فيهم ألفَ عامٍ إلا خمسينَ سنةً يدعوهُم إلى اللهِ تعالى ليلاً نهاراً، وكان في أرضِ العراقِ، أمرهُ اللهُ أن يصنعَ الفُلْكَ قبلَ الطوفانِ قبل أن يعُمَّ الطوفانُ الأرضَ، قبل أن يُرسلَ اللهُ المطرَ وقبل أن يفجِّرَ اللهُ المياهَ من الأرضِ، قبلَ أن يجتمعَ ماءُ السماءِ وماءُ الأرض، كان الكفارُ كلما مروا بنوحٍ عليه السلامُ وهو يصنعُ السفينةَ كما أمرَه اللهُ تعالى كانوا يسخَرونَ منه ومرةً ضربوهُ صلى الله عليه وسلم حتى أُغمِيَ عليه ومع ذلك لم يترُكِ الدعوةَ إلى اللهِ تبارك وتعالى، ثم لما ركبَ السفينةَ هو والذين ءامنوا معه، ولدُه كنعانُ لم يؤمن فلم يركبِ السفينة، قالَ: يا بنُيَّ اركبْ معنا. رفضَ ولدُه كنعانُ أن يؤمن، رفضَ أن يكونَ من الناجينَ فأهلكَه اللهُ غرقاً ونجى اللهُ نوحاً والذين ءامنوا معه في السفينةِ وكان ذلكَ يوم عاشوراء. وفي اليومِ العاشرِ من المحرمِ قُتِلَ سيدُنا الحسينُ رضي اللهُ عنه والذي قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيهِ وفي شقيقِه: "الحسنُ والحسينُ سيدا شبابِ أهلِ الجنة". هذا وأستغقر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستغفرُه ونستعينُه ونستهديهِ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يضلِلْ فلا هادِيَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه. يقولُ اللّهُ تعالى في كتابِه العزيز: ﴿يا أيها الناسُ اتقوا ربَّكم إن زلزلةَ الساعةَ شىءٌ عظيم، يومَ تروْنها تذهَلُ كلُّ مرضعةٍ عما أرضَعَت وتضَعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها، وترى الناسَ سُكارى وما هم بسُكارى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديد﴾. واعلموا أنَّ اللهَ أمركم بأمرٍ عظيمٍ أمركُم بالصلاةِ على نبِيِّهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على النَّبيِّ يا أيُّها الذينَ ءامنوا صلُّوا عليهِ وسلِّموا تسليمًا﴾ اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ وبارِك على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إنا دعوناكَ فاستجِبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللهمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النار اللهمَّ اجعَلْنا هُداةً مُهتَدِين غيرَ ضالِّينَ ولا مُضِلِّين اللهمَّ استُرْ عوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا ما أهمَّنا وقِنا شرَّ ما نتَخَوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمُرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُرْبى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكُمْ لعلَّكم تذكَّرون اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم واشكروهُ يزِدْكم، واستغفِروهُ يغفِرْ لكم واتَّقوهُ يجعلْ لكمْ من أمرِكم.